حتى وقت قريب، كان السيناريو السائد لانتعاش الولايات المتحدة في “وول ستريت” وواشنطن، يركز على طفرة مستمدة من المستهلكين الذين عادوا إلى الحياة بعد مساهمة اللقاح في إعادة فتح الاقتصاد.
ويعتبر الواقع الناشئ من البيانات الحديثة، مجرد انتعاش يتسم بالصعوبة وعُرضة للمفاجآت، حسبما ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”.
ومهما كانت وجهة نظرك حول ما إذا كانت إعانات البطالة تثني الأمريكيين عن العودة إلى العمل أم أن ارتفاع الأسعار الأخير مثير للقلق- ليس بشكل كبير كما يقول البنك الاحتياطي الفيدرالي- فإنَّ الاقتصاد يصدر إشارات فوضوية.
فخلال يوم الجمعة، توجت مبيعات التجزئة المستقرة وتوقعات التضخم المتزايد أسبوعاً متقلباً بعد الفشل الكبير في تقارير شهر أبريل الخاصة بأسعار المستهلكين والوظائف.
ويقع سوق العمل في قلب الإضطرابات، إذ يمكن أن تستغرق إعادة حوالي 10 ملايين شخص إلى العمل وقتاً، خصوصاً أن ثلث القوة العاملة قد تغيرت أو فقدت وظائفها خلال فترة تفشي جائحة فيروس كورونا المميت، ما يسهم في تدافع بعض أرباب العمل لشغل الوظائف وسط الطلب السريع.
قالت كبيرة الاقتصاديين السابقة في مكتب الميزانية بالكونجرس غير الحزبي الذي يدير الآن مشروع هاميلتون في معهد بروكينجز، ويندي إيدلبيرج: “هذا التعافي سيكون فوضوياً”.
وكان مسار نقل البيانات بمثابة هجوم إلكتروني تسبب بدوره في نقص البنزين على الساحل الشرقي، كما دفع الحزب الجمهوري إلى استحضار ذكريات أزمة الطاقة في السبعينيات.
بالإضافة إلى اختناقات سلسلة التوريد التي شكلت عبئاً على شركات صناعة السيارات والمصنعين الأخرين، قدم الاختراق دليلاً على مدى ضعف تعافي الولايات المتحدة أمام الصدمات غير المتوقعة.
كما تواجه خطط الرئيس الأمريكي جو بايدن الطموحة لخلق الملايين من الوظائف ذات الأجر الجيد، كجزء من حزمة التحفيز البالغة قيمتها 4 تريليونات دولار، حواجز هائلة على المستوى الفيدرالي ومستوى الولاية قبل تطبيقها.
ولا شك في أن الاقتصاد الأمريكي آخذ في الانتعاش، لكن الارتداد الذي يتخذ شكل حرف “كيه” (K) والذي تنبأ به كثيرون، يتحول إلى مسخ برؤوس عدة.
ومع ذلك، لا تزال الخبيرة الاقتصادية إيدلبيرج، مثل العديد من أقرانها، متفائلة بشأن ما ينتظر الاقتصاد الأمريكي في المستقبل.
كما أنها تتوقع إطلاق العنان لمدخرات الأسر والطلب المكبوت في الأشهر المقبلة مع السيطرة على الوباء في الولايات المتحدة.
وجاءت أقوى علامة حتى الآن على العودة إلى الحياة اليومية عندما قالت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، إنَّ الأشخاص الذين تم تطعيمهم بإمكانهم الاستغناء أخيراً عن الأقنعة الطبية في معظم الحالات.
وفي ظل الارتفاع المتوقع في الطلب على خدمات مثل السفر، سيأتي مزيد من عدم التوافق مع العرض، كما أنها ستؤدي إلى ارتفاعات في الأسعار، مثل ارتفاع أسعار السيارات المستعملة بنسبة 10% في شهر- وهي أكبر نسبة مسجلة منذ عام 1953- والتي تنعكس في بيانات أسعار المستهلك.
وقالت “إيدلبيرج”: “أتوقع أن ترتفع أسعار شركات الطيران بشكل كبير”.
تسريح العمالة
تشير مؤشرات البيانات الأخرى إلى عدم اكتمال وتباين عملية التعافى.
فقد أظهر ارتفاع فرص العمل المتوفرة إلى مستوى قياسي بلغ 8.1 مليون في مارس، إعادة فتح العديد من الشركات في البلاد بوتيرة متسارعة.. لكنه حجب تخفيضات الوظائف التي استمرت في أماكن أخرى.
في بيرلينجتون بولاية ويسكونسن، قامت شركة “نستلة” السويسرية العملاقة للصناعات الغذائية بإخطار السلطات يوم الأربعاء بأنها تعتزم تسريح نحو 30 عاملاً في مصنع عمل لسنوات على صنع رقائق الشوكولاتة التي يعتمد عليها العديد من الخبازين في المنزل.
وقالت المتحدثة باسم “نستله”، يوم الجمعة، إنَّ هذا الخفض يتعلق بصفقة عقدتها عام 2018 لبيع أعمالها في قطاع السكاكر في سوق الولايات المتحدة للشركة الإيطالية “فيريرو”.
في الأسبوعين الماضيين، تلقى المسئولون في ولاية أوهايو إخطارات بتسريح العمال من شركة شركة “صن بيم برودكتس” (Sunbeam Products) وشركة الأنظمة الهندسية “أو. بى. دبليو إنجينيرد سيستمز” (OPW Engineered Systems).
في الوقت نفسه، كانت الشركات الصغيرة، التي وظفت نحو نصف القوى العاملة الخاصة قبل الوباء، تتعافى بشكل أبطأ من نظيراتها الأكبر.
كما وجدت دراسة استطلاعية أجراها الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة في أبريل، أيضاً تدهوراً في التوقعات لظروف العمل، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الشركات تكافح للعثور على عمال.
وتظهر البيانات الصادرة عن “أبورتيونيتي إنسايتس” (Opportunity Insights)، وهي مجموعة بحثية مقرها جامعة هارفارد، أن إجمالي الإيرادات في الشركات الصغيرة انخفض بنحو 29% مقارنة بما قبل الوباء في يناير 2020.
وحتى إن المعركة الأيديولوجية حول الوظائف وإعانات البطالة أصبحت أكثر تعقيداً، فقد أعلنت العديد من الولايات التي يديرها الحزب الجمهوري انسحابها من البرامج الفيدرالية في الأسابيع المقبلة.
وقال المسئولون في تلك الولايات إن مثل هذه الخطوة ستحفز موجة جديدة من الناس في القوة العاملة، كما ستخفض الحوافز المالية المخصصة لاقتصادات تلك الولايات.
فقد أشارت وزارة العمل الأمريكية إلى أن أكثر من 12 مليون شخص على الصعيد الوطني تلقوا تلك المزايا الفيدرالية في أبريل، وهؤلاء الأشخاص هم من المستهلكين.








