رغم جميع الأعمال الدرامية للحرب الأهلية والطبقية والاستعمار والفساد التى عصفت بأمريكا اللاتينية، يُظهر التاريخ أن مصيرها الاقتصادى يتأثر بشيء واحد فقط، وهو أسعار البترول والحديد الخام والنحاس وسلع أخرى.
الآن .. ورغم الانخفاض الأخير، ارتفعت أسعار السلع بشكل حاد منذ أوائل العام الماضى، لكن اقتصادات أمريكا اللاتينية ليست كذلك. ومن المتوقع أن تنكمش تلك الاقتصادات بنسبة %1 خلال الربع السنوى الحالى فى ظل توسع الاقتصاد العالمى بنسبة %5.
ويبدو أن مخطط أسعار السلع الأساسية مقابل نمو الناتج المحلى الإجمالى لأمريكا اللاتينية والخطوط التى تحركت معاً لعقود زمنية قد انفصلت بشكل مفاجئ، لكن ما السبب وراء هذا الانفصال؟ ستجد الوباء والشعبوية.
توجد 7 من أعلى 10 معدلات وفيات فى العالم بوباء «كوفيد19-» فى أمريكا اللاتينية. وتؤجج هذه الحصيلة التأييد الموجه للسياسيين المناهضين للمؤسسة فى فترة انتخابية مزدحمة بشكل غير عادى، إذ أجرت 11 دولة لاتينية انتخابات على مدار العام الحالى.
ومن المقرر أن تجرى كل من البرازيل وكولومبيا انتخاباتهما خلال العام المقبل.
وفى كثير من الحالات، كان الحق يقع على السلطة عندما تفشى الوباء.. لذا فإن السخط المتزايد يأتى فى صالح المرشحين اليساريين، حسبما ذكر الكاتب روتشير شارما فى مقال نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
يتمثل الخوف فيما يمكن أن يأتى بعد ذلك من إمكانية كبح الاستثمار فى وقت ضعيف.
كان العقد الأول من القرن الحادى والعشرين عقداً ضائعاً، وقد تسبب انخفاض أسعار السلع الأساسية، التى تشكل أكثر من نصف صادرات معظم اقتصادات المنطقة، فى تقويض النمو الاقتصادى.
كما بدأ المستثمرون الأجانب فى الابتعاد عن الأسهم والسندات فى أمريكا اللاتينية عندما انهارت أسعار السلع الأساسية، ولم يعودوا بعد، إذ ينتشر الشعور بالتشاؤم فى جميع أنحاء القارة.
على المدى الطويل، لم تسجل أسعار السلع الأساسية معدلات ارتفاع أسرع من معدلات التضخم، وهو الأمر الذى ترك أمريكا اللاتينية مكتوفة الأيدى وغير قادرة على العمل.
لقد أظهر بحث أجراه الكاتب شارما أن كلا من البرازيل وتشيلى والمكسيك وكولومبيا ليست أغنى فيما يتعلق بدخل الفرد، مقارنة بما كانت عليه الولايات المتحدة فى عام 1850 (عندما بدأت سجلات المقارنة).
كما أن الأرجنتين وبيرو وأوروجواى تعتبر أفقر بشكل ملحوظ، ويبلغ متوسط دخل الفرد فى الأرجنتين الآن %33 من متوسط الدخل الأمريكى، بانخفاض من %55 فى عام 1850، وفقاً للبحث.
ومع ذلك، فى العقود التى انتعشت فيها أسعار السلع الأساسية، انتعشت أمريكا اللاتينية أيضاً. وعندما ارتفعت الأسعار بشكل حاد فى فترة السبعينيات وفى عقد 2000، ارتفعت وتيرة النمو الاقتصادى كذلك، ونمت اقتصادات المنطقة بسرعة كافية لترى بذلك متوسط دخل الفرد لديها يتقارب مع الولايات المتحدة.
وفى العقود التى تعثرت فيها أسعار السلع الأساسية، تعثرت أمريكا اللاتينية أيضاً، وكان آخر فترات هذا التعثر فى العقد الأول من القرن الحالى.
ومع ذلك، وبالنظر إلى الطبيعة الدورية لأسعار السلع الأساسية، كان العقد السيئ فى كثير من الأحيان نذيرا لعقد أفضل قادم.
وفى عقد 2010، أدت الأسعار المنخفضة إلى تثبيط الاستثمار فى حقول البترول والمناجم وإنتاج المواد الخام الأخرى فى جميع أنحاء العالم، لتصبح بذلك الإمدادات شحيحة والمخزونات منخفضة.
ثم مع انتعاش الاقتصاد العالمى، يرتفع الطلب على جميع أنواع السلع، خاصة تلك المطلوبة فى السيارات الكهربائية والمنازل والمبانى الأكثر اخضراراً.
وبصرف النظر عن التقلبات الأخيرة، يبدو أن السلع تدخل «دورة فائقة» جديدة من ارتفاع الأسعار، وبالتالى ينبغى أن تستفيد دول أمريكا اللاتينية أكثر من معظم الدول الأخرى، وذلك لأنها مُصدرة رئيسية لفول الصويا والمعادن الخضراء والسلع الأخرى.
وتوفر بيرو وشيلى وحدهما %40 من النحاس فى العالم.
وأشارت «فاينانشيال تايمز» إلى أن الأمل بالنسبة للمنطقة يكمن فى إثبات ازدهار السلع الأساسية قوته ومدته الطويلة بشكل يكفى للتغلب على الشكوك المتعلقة بالموجة الجديدة من الشعبويين.
وإذا تراجعت الأعمال الدرامية السياسية فى أمريكا اللاتينية، يمكن أن تصبح المنطقة حرة فى أن تكون هى نفسها، وحرة فى أن تكون منطقة مكونة من اقتصادات معتمدة على السلع الأساسية، التى ترتفع مع ارتفاع الأسعار العالمية، طالما أن التأرجح التصاعدى يستمر.








