كانت الاتهامات التى أطلقتها وسائل الإعلام الحكومية الصينية الأسبوع الماضى، بأن شركات الألعاب تبيع «الأفيون الروحى»، تستهدف إحداث ضجة..
هذا بلد لا تزال تقدم فيه الروايات التاريخية عن الإدمان واسع النطاق، والإذلال الذى تسببت فيه حروب الأفيون مع بريطانيا فى القرن التاسع عشر عدسة مفيدة يمكن من خلالها مشاهدة كيف صعدت الدولة فى القرن العشرين.
ومع ذلك، فإنَّ المشكلات الاجتماعية المتعلقة بألعاب الكمبيوتر التى أشارت إليها لا تقتصر بأى حال من الأحوال على الصين.
فى الواقع، أضافت منظمة الصحة العالمية عام 2018، الألعاب إلى قائمة السلوكيات التى تسبب الإدمان.
ولطالما كانت ألعاب الكمبيوتر موضوع هلع أخلاقياً، ففى عام 1981، حاول نائب بريطانى تقديم مشروع قانون لحظر لعبة «غزاة الفضاء»، وقد حذر المعلمون من أن لعبة الورق التى تعمل بقطع النقود المعدنية تجعل الأطفال «مجنونين، وعيونهم مصقولة، وغافلين عن كل شىء من حولهم، وهم يلعبون بالآلات».
فى وقت لاحق، حذر المعارضون من مخاطر ألعاب الفيديو العنيفة – التى يُفترض أنها تفسد جيلاً من الأطفال، وتقلل من حساسيتهم، رغم أنه تبين فى الواقع أنهم أقل عُرضة للتحول إلى جرائم عنيفة من سابقاتها. وساهم كون مثل هذه الألعاب بمثابة شكل جديد من أشكال الترفيه، فى تحريك اتجاه الإثارة الإعلامية.
ففى عام 1916، ألقى وزير الداخلية البريطانى، باللوم على «الأفلام السينمائية» فى زيادة جنوح الأحداث، بينما كتب واعظ من القرن الثامن عشر فى رود آيلاند ذات مرة عن قلقه من أن الرومانسية والروايات تسمم عقول الشباب.
لكنَّ الأشخاص المسئولين عن تنظيم الألعاب، أو على الأقل الإبلاغ عنها، نادراً ما نشأوا وهم يلعبون الألعاب بأنفسهم، ويساعد عدم الإلمام فى توليد الخوف، وهذا موقف يتغير، وبينما تستيقظ الحكومات على الفرص التجارية التى تقدمها تلك الألعاب، ينتشر موقف أكثر تسامحاً. ولألعاب الفيديو فوائد واضحة، فبالإضافة إلى كونها مصدراً للبهجة والترفيه، يأتى الكثيرون الآن بقصص مقنعة وعوالم مصممة أفضل بكثير مما كان يعتقده مبتكرو «غزاة الفضاء».
والعام الحالى، على وجه الخصوص، إذ أجبر الوباء الملايين على المكوث فى المنزل، وفرت الألعاب عبر الإنترنت منفذاً للتواصل الاجتماعى دون لقاء شخصى أو معاناة من خلال مؤتمر فيديو بثه متقلب، ولعب أكثر من نصف الأمريكيين ألعاب الفيديو خلال المرحلة الأولى من الوباء.
ومع ذلك، فإنَّ القطاع لديه حجة مضادة للإدمان، وأدى انتشار ألعاب الهاتف المحمول التى يُفترض أنها مجانية والتى تعتمد على عدد صغير مما يلقب بـ«الحيتان» – اللاعبون الذين يدفعون مبالغ باهظة للحصول على مكافآت – إلى إنشاء نموذج عمل.
ويفكر المصممون بشكل متزايد فى «تصميم مقنع»؛ للحفاظ على تفاعل اللاعبين، مثل الحصول على المكافآت بشكل متكرر بما يكفى لجعل الناس يريدون المزيد، ولكن ليس بما يكفى لإرضائهم.
غالباً ما تكون هذه هى نفس الحيل التى تستخدمها شركات وسائل التواصل الاجتماعى للحفاظ على عودة المستخدمين، ويعلن العديد من ألعاب الهاتف المحمول صراحةً عن نفسها على أنها «مسببة للإدمان».
كما تُستخدم التقنيات الساخرة، أيضاً، لاستخراج أكبر قدر ممكن من المال، فصناديق الغنائم التى تسمح للاعبين بالدفع مقابل فرصة ربح المكافآت تشكل مقامرة بكل المعايير.
ويشتكى العديد من الآباء ضآلة قدرتهم على التحكم فى عمليات الشراء داخل التطبيق التى يقوم بها أطفالهم فى ألعاب تبدو بريئة، ومدى صعوبة استرداد الأموال، وبالنسبة للبالغين، الذين لديهم أموالهم الخاصة ويتفهمون المخاطر، فإنَّ الانغماس فى رذيلة باهظة الثمن هو اختيارهم، أما بالنسبة للأطفال فالأمر مختلف.
وفرضت شركة «تنسينت»، شركة الألعاب التى يُنظر إليها على أنها الهدف الرئيسى لانتقادات وسائل الإعلام الحكومية الصينية، قيوداً على مقدار الوقت الذى يمكن أن يقضيه الأطفال دون سن 12 عاماً فى ممارسة الألعاب فى محاولة لتجنب التنظيم الأكثر صرامة، كما سيتم حظر الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً من إجراء عمليات شراء داخل التطبيق.
وفيما يتعلق بآليات الرقابة الصينية الأوسع نطاقاً، فهذه خطوات معقولة، وربما ترغب شركات الألعاب فى الغرب فى النظر فيها أيضاً.
افتتاحية صحيفة «فاينانشيال تايمز البريطانية»