15% انخفاضاً متوقعاً فى الإنفاق مع إعادة فرض الإغلاقات الاقتصادية
يبدو أن «متحور دلتا» يتحدى الجزء الأكثر نجاحاً فى العالم فى الحد من التأثير الاقتصادى لكوفيد- 19.
فالدول الآسيوية التى تصدت للوباء من قبل، أعادت فرض قيود الإغلاق مرة أخرى فى ظل عودة الفيروس، فى حين أن الدول الأخرى شهدت أعلى معدلات وفيات فى العالم.
قبل 12 شهراً فقط، كانت قدرة منطقة آسيا والمحيط الهادئ لاحتواء كوفيد- 19 بشكل سريع موضع حسد العالم، خاصة أن الوباء عصف بالولايات المتحدة وأوروبا.
والآن، تعيد السلطات، من سيول إلى سيدنى ومن بانكوك إلى بكين، فرض قيود من شأنها الحد من النمو الاقتصادى؛ لأن معدلات التطعيم المنخفضة فى العديد من تلك الأماكن تجعل سكانها معرضين للخطر.
حتى الآن، يتحمل المستهلكون العبء الأكبر، حسبما ذكرت وكالة أنباء «بلومبرج».
ويقدر البنك المركزى الأسترالى؛ حيث يمكث ثلثا السكان بمنازلهم بعد أن تسبب متحور دلتا فى فرض نظام حجر صحى صارم للسفر، أن الإنفاق سينخفض بنحو 15% خلال عمليات الإغلاق.
وتفرض الصين قيوداً على السفر والحركة الداخلية فى منتصف العطلة الصيفية مع عودة العدوى الوبائية إلى أماكن مثل ووهان وبكين، ما أدى إلى خفض توقعات النمو فى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم.
جدير بالذكر، أن الصين أبلغت عن 95 حالة إصابة محلية جديدة بفيروس كورونا، مع وصول متحور دلتا إلى مناطق تمثل 38% من الناتج المحلى الإجمالى الوطنى.
كما توقفت سلاسل الإمداد من فيتنام إلى تايلاند؛ حيث يتفشى الوباء، مع إغلاق المصانع العاملة على تصنيع البضائع لشركتى «نيكاى» و«أديداس»؛ بسبب القيود الوبائية، وبالتالى يمكن خسارة موسم التسوق المهم فى العطلات.
وهذا الأمر يثير احتمالية أن يضرب متحور دلتا القارة الآسيوية، وبالتالى قد يتردد صدى الأمر فى جميع أنحاء العالم، إذا تأخرت الصادرات على المدى الطويل.
قال فريدريك نيومان، الرئيس المشارك للبحوث الاقتصادية الآسيوية فى «إتش. إس. بى. سى هولدينجز» فى هونج كونج: «موجة دلتا حالية فى آسيا قد تعيق شبكات الإنتاج بشكل أكثر، والخطر يكمن فى استمرار ندوب النمو لفترة أطول».
ويتناقض التدهور فى التوقعات، سواء بالنسبة لاحتواء الوباء أو النمو الاقتصادى، مع الاقتصادات الغربية مثل المملكة المتحدة؛ حيث تعمل معدلات التطعيم المرتفعة على الحد من تأثير دلتا وإعادة فتح السفر.
ويعتبر التراخى قاسماً مشتركاً بين العديد من اقتصادات آسيا والمحيط الهادئ التى تمتعت بنجاح مبكر فى الحد من أضرار الوباء.
ففى ظل تراجع معدلات الوفيات، جاءت السلطات فى كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا ضمن أولئك الذين تأخروا فى إطلاق اللقاح؛ حيث تأتى معدلات التلقيح الخاصة بها الآن ضمن أدنى 10 دول من بين 38 دولة عضو فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
وتضررت جميع الدول باستثناء نيوزيلندا من متحور الدلتا؛ حيث ارتفعت الإصابات خلال الشهر الماضى بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً فى كوريا الجنوبية، وتضاعفت بمقدار أربع مرات فى اليابان وقفزت بنسبة تزيد على 600% فى أستراليا.
وكذلك، تفاقم تفشى الوباء فى جميع أنحاء أكبر مدن أستراليا؛ حيث سجلت حالات الإصابة فى سيدنى وملبورن مستويات عالية جديدة.
بحر الصين الشرقى
كان من المفترض أن تكون الألعاب الأولمبية اليابانية بمثابة ثروة اقتصادية، لكن الخطط فشلت فشلاً ذريعاً، فلم يُسمح للجمهور بحضور الفعاليات الرياضية وسط حالة طوارئ أخرى فُرضت فى طوكيو وأماكن أخرى.
وعلى الرغم من أن الوباء لم ينتشر بين الرياضيين العالميين الذين تلقوا التطعيم فى الغالب، فقد انتشر متحور دلتا بين السكان المحليين خارج القرية الأولمبية.
وفى بحر الصين الشرقى، أدى تفشى متحور دلتا فى الصين إلى تكثيف المخاطر الاقتصادية فى النصف الثانى، بعد فيضان قاتل وضعف فى الصادرات والاستثمار.
ومن المرجح أن تؤثر تدابير التباعد الاجتماعى على الانتعاش الهش فى الإنفاق على التجزئة خلال ذروة فترة العطلة الصيفية، وكذلك تراجعت سعة مقاعد الخطوط الجوية فى الصين بنسبة 10% عن الأسبوع السابق، وأبلغت مواقع حجز السفر عن زيادة فى الإلغاءات.
فى كوريا الجنوبية، حيث تلقى 14% فقط من السكان اللقاح بشكل كامل، جاء حوالى 30% من حالات الإصابة البالغة 205 آلاف حالة إصابة فى الشهرين الماضيين فقط، ما أجبر الرئيس مون جاى إن، على فرض إغلاق مصغر فى سيول وحظر التجمعات لأكثر من شخصين بعد الساعة 6 مساءً.
ومع ذلك، يصر البنك المركزى الكورى الجنوبى على أن الانتعاش لا يزال على المسار الصحيح، وهى قصة مماثلة لأستراليا؛ حيث يلتزم البنك المركزى بخطط تقليص مشتريات السندات الأسبوعية حتى مع اعترافه بأن الناتج المحلى الإجمالى سينكمش تماماً فى الربع السنوى الحالى.
ومع ذلك، فإن متحور دلتا يغير الحسابات ويمكن لطبيعته شديدة العدوى ترك تأثير أطول على الأماكن التى تغلبت على الموجات السابقة.
البؤرة الإندونيسية
تبرز جنوب شرق آسيا الآن كواحدة من أكثر مناطق العالم تضرراً، إذ تجاوزت مؤخراً أمريكا اللاتينية وسط تسجيل أعلى معدل وفيات أسبوعية.
وتعتبر إندونيسيا بؤرة للوباء؛ حيث تجاوز عدد الوفيات حاجز الـ100 ألف شخص مؤخراً، رغم أن الرئيس جوكو ويدودو يقاوم قيود الحركة الأكثر صرامة التى قد تؤثر بشكل أكبر على أكبر اقتصاد فى المنطقة.
وهناك جدل مثار حول ما إذا كان الإغلاق محفوفاً بالمخاطر بشكل خاص فى تايلاند، وكذلك فيتنام المجاورة؛ حيث كانت التجارة واحدة من عدد قليل من النقاط المضيئة الاقتصادية.
وحذر اتحاد الصناعات التايلاندية من أن الحجر الصحى والقيود المفروضة على التنقل تتسبب فى نقص العمالة، ما يجبر الشركات على خفض الإنتاج.
وفى الهند، حيث تم اكتشاف سلالة دلتا لأول مرة العام الماضى، بدأت الموجة الثانية المميتة التى تركت ملايين العاطلين عن العمل وآلاف القتلى فى الانحسار، لكن التداعيات الاقتصادية كبيرة، إذ خفض صندوق النقد الدولى الشهر الماضى توقعاته للعام المنتهى فى مارس 2022 إلى 9.5% من 12.5% قبل ثلاثة أشهر فقط.
وهناك سنغافورة أيضاً، الدولة المدينة المزدهرة فى قلب منطقة جنوب شرق آسيا، والتى كافحت للعودة إلى الوضع الطبيعى من جديد، لكن الارتفاع الأخير فى الإصابات بسلالة دلتا أجبر الحكومة على التراجع وإعادة فرض القيود، رغم تعهدها الآن بإعادة فتح البلاد فى سبتمبر عند ارتفاع معدلات التطعيم بين السكان بشكل كبير.
