ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى الصين من 587 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.9 تريليون دولار في عام 2020، في حين انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي العام الماضي بنسبة 35% إلى تريليون دولار.
تقدر مجموعة “روديوم جروب” للأبحاث أن المستثمرين الأمريكيين يمتلكون 1.1 تريليون دولار من الأسهم الصادرة عن الشركات الصينية في نهاية عام 2020.
من السمات المثيرة للفضول في أعقاب الأزمة المالية 2008-2009 أنه لم يكن هناك رد فعل عنيف ضد التمويل الدولي للمقارنة مع التراجع عن الإنتاج المعولم.
والأكثر إثارة للفضول هو أن رأس المال العالمي يبدو غير منزعج من اتباع حكومة بايدن لسلفه دونالد ترامب، في مساعي الانفصال الاقتصادي عن الصين، وهذا يجعل التخلي بالجملة عن السندات والأسهم الصينية من قبل مديري الصناديق في العالم المتقدم في وقت سابق من الشهر الجاري -استجابة لهجوم بكين المستمر على عمالقة التكنولوجيا الصينيين وهجومها الجديد على قطاع التعليم الخاص – تحولا مذهلا.
وبالنظر إلى الحجم الهائل للتدفقات القياسية الداخلة إلى الصين، ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى الصين من 587 مليار دولار في 2010 إلى 1.9 تريليون دولار في عام 2020، في حين انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي العام الماضي بنسبة 35% إلى تريليون دولار، وارتفعت التدفقات إلى الصين من 141 مليار دولار إلى 149 مليار دولار، ولا شك أن ذلك ناتج جزئيا عن تصورات التعافي السريع للغاية من “كوفيد 19”.
كما اشترى المستثمرون الأجانب 35 مليار دولار من الأسهم الصينية المحلية و75 مليار دولار من السندات الحكومية في النصف الأول من العام الحالي، أي بزيادة في كل حالة بنسبة 50% عن مستويات ما قبل “كوفيد” المزدهرة في عام 2019، أما بالنسبة للشركات الصينية المدرجة في الولايات المتحدة، تجاهل المستثمرون إلى حد كبير، حتى هذا الشهر،
تهديدات الحكومة بشطب أولئك الذين فشلوا في تلبية اشتراطات الامتثال للتدقيق الصارمة، وتجاهلوا أيضا حظر الاستثمار في الشركات الصينية التي لها صلات بالجيش، ويشير نيكولاس لاردي من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إلى أن الانفصال الاقتصادي العالمي عن الصين ببساطة لا يحدث، وأضاف أنه بالفعل “في بعض الأبعاد الحساسة يزداد التكامل الصيني مع الاقتصاد العالمي عمقا”.
ويعكس ذلك جزئيا التزام قادة بكين بالتحرير التدريجي للنظام المالي، وأرقى بنوك وول ستريت، المفتونة باحتمالية وجود فخار صيني من الذهب في نهاية قوس قزح العالمي، تم تشجيعهم مؤخرا من قبل المنظمين في بكين من خلال قواعد الملكية، على الاستحواذ على حصص مسيطرة في شركات الأوراق المالية الصينية ومجموعات إدارة الصناديق.
ومن خلال تخفيف القيود المفروضة على تدفقات السندات والأسهم ، ساعدت السلطات الصينية في تخفيف مشاكل الملاءة المالية لصناديق التقاعد الأمريكية والأوروبية المنهكة، وعلى خلفية ارتفاع قيمة الرنمينبي، وجد هؤلاء المستثمرين عوائد أكثر سخاء في سوق السندات الصينية مقارنة بالولايات المتحدة أو أوروبا.
وفي الوقت نفسه، تتيح الأسهم الصينية المحلية والأمريكية الوصول إلى قطاع التكنولوجيا النابض بالحياة، و تقدر مجموعة “روديوم جروب” للأبحاث أن المستثمرين الأمريكيين يمتلكون 1.1 تريليون دولار من الأسهم الصادرة عن الشركات الصينية في نهاية عام 2020.
تشير اضطرابات الأسواق أواخر الشهر الماضي إلى أن المستثمرين في العالم المتقدم، قللوا من شأن الأهمية التي يوليها الحزب الشيوعي الصيني للسيطرة والاستقرار الاجتماعي، وتعد بكين عازمة على تقليص حجم عمالقة التكنولوجيا وكسب سيطرة أكبر على البيانات.
ويشير الدبلوماسي السابق، روجر جارسايد، في كتابه “انقلاب الصين” إلى أن تهديدات الولايات المتحدة بشطب الشركات الصينية التي تفشل في الامتثال ليست فارغة، ويرى أن التوترات بشأن قضايا أسواق رأس المال قد تتصاعد بشكل جدي.
كما أن مجال الردود الانتقامية الصينية حقيقي بنفس القدر، لا سيما فيما يتعلق بما يسمى بالكيانات ذات المصلحة المتغيرة (VIEs)، والتي من خلالها يمكن للمستثمرين الأمريكيين الوصول إلى الأسهم الصينية.
سلط الحظر المفاجئ الذي فرضته بكين على استخدام شركات التعليم الخاص للكيانات ذات الفائدة المتغيرة الضوء على المخاطر في ترتيب يمنح فقط حقوق ملكية ضعيفة ولا يمنح أي حقوق سيطرة على الإطلاق في جميع الشركات الصينية المحلية، وإذا استمر العداء الكبير لرأس المال الأجنبي، فإن الصين ستدفع الثمن.
وحتى الآن، خدمت بكين جيدا تطلعها لأن يصبح الرنمينبي عملة احتياطي عالمية من خلال أسواقها المالية المحررة، ومع ذلك، فإن الخطوة الأساسية التالية – تحرير حساب رأس المال – كانت دائما تمثل تحديا للحزب لأنها تنطوي على فقدان السيطرة.
وسيصبح الأمر أكثر صعوبة إذا انخفضت التدفقات الأجنبية الوافدة لتعويض هروب رأس المال من قبل الصينيين الأثرياء الذين لا يثقون في النظام، وللولايات المتحدة والصين مصلحة مشتركة في استمرار الاعتماد المالي المتبادل، ولكن كما هو الحال مع المنافسة الجيوسياسية الأوسع، فإن الخطر يكمن في خروج الخلاف عن السيطرة، ولم تعد الكيمياء المالية العالمية التي يساعد بها الصينيون الفقراء نسبيا في تمويل معاشات الدول الغنية أمرا مفروغا منه.
بقلم: جون بلندر، كاتب مقالات رأي لدى صحيفة “فاينانشال تايمز”، محرر اقتصادي سابق في مجلة “ذا إيكونوميست”.
المصدر: صحيفة “فاينانشال تايمز”.