تعانى المحاصيل الزراعية المصرية من مشكلتين رئيسيتين تتسببان فى تكبيدها جزءا كبيرا من القيمة الاقتصادية التى يمكن أن توفرها للسوق المحلية، على مستوى الفاقد من ناحية، وضعف التصنيع الزراعى من ناحية أخرى. فأيهما يكبد الاقتصاد خسارة أكثر؟
تخسر المحاصيل الزراعية من قيمتها السنوية ما يزيد على 90 مليار جنيه بسبب الفاقد الذى يهدر فى 6 مراحل تبدأ بالإنتاج والحصاد حتى تصل إلى المستهلك النهائى، طبقا لدراسة بحثية صادرة عن مركز البحوث الزراعية المصرى.
ووفقًا للدراسة، يأتى محصول القمح فى مقدمة المحاصيل التى تخسر على مستوى الكميات والقيمة بإجمالى 1.5 مليون طن سنويًا، تتخطى قيمتها المليار جنيه.
وأرجع خبراء الاقتصاد الزراعى، الخسارة الاقتصادية على مستوى الفاقد إلى عدم الاهتمام بتطبيق المواصفات ومعايير الجودة الخاصة بالمحاصيل، بخلاف عدم استخدام التكنولوجيا الحديثة لتقليل نسبة الفاقد فى أبرز المحاصيل وهى القمح والأرز مثلًا.
وتمر رحلة الفاقد بـ6 مراحل أساسية هى الإنتاج والحصاد، التخزين، التجهيز والتعبئة، النقل والتوزيع، أسواق الجملة والتجزئة، والاستهلاك.
أرجع جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، فقدان جزء من المحاصيل الزراعية إلى ضعف استخدام الميكنة الزراعية الحديثة فى الزراعة والحصاد.
قال إن كل مرحلة من مراحل تداول المحاصيل تُكبد الاقتصاد جزءا من الفاقد، وترتفع نسبة الفقد فى مرحلتى النقل والتخزين.
أوضح صيام، أن الزراعة فى مصر لا تتبع الطرق الإرشادية السليمة والمطورة، مدفوعة بهجرة جزء من الفلاحين تاركين الأراضى ليعمل بها من يفتقد المهارات والقدرات المطلوبة.
ويرتفع الفاقد أيضًا فى مرحلة الحصاد، إذ لا توجد كفاءات تستطيع احتواء وجمع المحصول بطريقة علمية فضلاً عن فقد مستخرجات المحصول، والأمر نفسه فى مرحلة النقل.
تأتى النسبة الأعلى للهدر فى مرحلة التخزين، إذ تعتبر أسوأ المراحل التى تهدر الكثير من المحصول بسبب سوء آليات التخزين فى مصر، ويوضع المحصول فى صوامع معرضة لحرارة الشمس المرتفعة والأمطار والحشرات، بالإضافة للسرقات، وبشكل عام، حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو»، من وصول الفاقد والهدر من الخضراوات والفاكهة فى مصر إلى 45 – %55 من الإنتاج السنوى.
كما حذرت من ارتفاع الفقد فى منتجات أخرى مثل الأسماك بواقع %40، ومن الألبان %30، كما تصل كمية الخسائر للأسباب ذاتها فى القمح إلى 1.5 مليون طن سنويًّا، و650 ألف طن من الذرة، و350 ألف طن من البنجر.
وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، قفزت نسبة الفاقد فى محاصيل الحبوب المصرية بنحو %50 خلال الفترة بين 2014 و2018، لتصعد إلى 6.611 مليون طن مقابل 4.338 مليونًا فى 2014.
كما يفقد محصول السكر هو الأخر أكثر من 900 ألف طن سنويًا بسبب عملية الهدر، وهو ما يضعف العائد الاقتصادى على المحصول.
على الناحية الأخرى، نجد أن ضعف الاستثمارات العاملة فى قطاع التصنيع الزراعى يُكبد الاقتصادى المصرى الكثير من الخسائر المالية على مستوى القيمة المضافة للقطاعات المختلفة، ومنها القطن والطماطم.
قال صيام، إن مضاعفة نسبة التصنيع الزراعى فوق النسبة القائمة حاليًا يضمن مضاعفة سوق الأغذية الصناعية، وبالتالى الصادرات، والتى لم تتجاوز بعد حاجز الـ3 مليارات دولار سنويًا.
وقال محممود بسيونى مدير عام غرفة الصناعات الغذائية، إن عمليات تصنيع المحاصيل الزراعية فى مصر بشكل عام لا تتجاوز %10 من حجمها الكامل، وهى نسبة ضعيفة جدًا مقابل إمكانات مصر الزراعية والتصنيعية.
وتابع: «الفاقد حال المحافظة عليه، يمكن أن يُستخدم فى عمليات التصنيع الزراعى، ما يدر عوائد اقتصادية جديدة على الاقتصاد بدلًا من تصدير المنتجات فى شكلها الخام».
ويفيد التصنيع الزراعى كذلك فى تقليل الفاقد من المنتجات ويسمح بتفعيل إيجابى لمنظومة التعاقدات الزراعية، ما يدعم ارتفاع عائدات الفلاحين، وبالتالى اهتمام أكثر بالعملية الإنتاجية، وأيضًا تشجيع الاستثمار الزراعى واستصلاح أراض جديدة توفر فرص عمل وترفع من حجم الصادرات.
قال أشرف الغنام الخبير الزراعى، إن عمليات التصنيع الزراعى تمثل نشاطًا مُكملًا للزراعة، وتنميته تحتاج للتنسيق والتكامل بين سياسات الإنتاج والتصنيع والتصدير ووضع آليات لخلق علاقات بين منشآت التصنيع الزراعى والزراعيين.
وأوضح أن التكامل يسمح بتحقيق فوائد عقتصادية عدة، أبرزها تدوير المخلفات الزراعية مثل قش الأرز ومخلفات المحاصيل والحيوانات فى صناعات الأعلاف والأسمدة وتصنيع الورق والخشب.
كما يسمح بإيجاد صناعة حقيقية فى القطاع، ويسهم التصنيع الزراعى فى إدخال الصناعات العشوائية العاملة فى مجال الصناعات الغذائية بمنظومة الاقتصاد الرسمى حيث يساعدها على تطوير نفسها.
أضاف: «ضعف عمليات التصنيع الزراعى يفوت فرصًا كثيرة على الاقتصاد، خاصة فى محاصيل مثل القطن التى يتم تصدير أكثر من %90 سنويًا منها فى صورتها الخام، والتى يمكن أن تدخل فى 3 صناعات مختلفة هى الزيوت والملابس والأعلاف».