بعد أن كانت أول دولة أوروبية تتأثر بالوباء، تعمل إيطاليا الآن على تغيير مسار تعافيها بعد برنامج تطعيم واسع النطاق، واستثمار قوي، وتوسيع الصادرات.
قال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، الشهر الماضي، إن “التوقعات الاقتصادية لإيطاليا أفضل بكثير مما توقعنا في الربيع”.
ويتوقع دراجي تسجيل بلاده نمواً اقتصادياً نسبته 6% في عام 2021، وهو ما يتماشى مع توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وجهات التنبؤ الدولية التابعة للقطاع الخاص، كما أنه أقوى بكثير من 4.5% التي تم توقعها في أبريل.
حقق النمو الاقتصادي في إيطاليا أكبر ترقية مقارنة بأي دولة أخرى من دول مجموعة السبع خلال الأشهر الخمسة الماضية، بحسب مؤسسة “كونسينس إيكونوميكس”، التي تحدد متوسط توقعات خبراء الاقتصاد البارزين.
إنه تغيير ملحوظ لبلد عانى أعواماً من ركود اقتصادي مما أدى إلى انخفاض مستويات المعيشة إلى ما دون متوسط الاتحاد الأوروبي، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ومن هذا المنطلق، يأمل خبراء الاقتصاد أن تكون نقطة انطلاق لتغييرات طويلة الأمد، مع وجود برنامج إصلاح اقتصادي طموح ممول من قبل الاتحاد الأوروبي والإنفاق العام.
قالت كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لورانس بون، لصحيفة “فاينانشيال تايمز”: “للمرة الأولى منذ عقود عديدة، أصبحت إيطاليا في مثل هذا الوضع المناسب”.
وأشارت بون إلى أن إيطاليا بدأت في معالجة الأمور التي تقوض النمو مثل نظام العدالة المدنية المتصلب والإدارة العامة وقوانين المنافسة غير الفعالة، وبالتالي أصبحت إيطاليا اليوم في وضع يسمح لها بإعادة ضبط اقتصادها.
وأرجع دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، الكثير من التوقعات المحسنة هذا العام إلى حملة التطعيم التي شنتها حكومته، إذ تعد نسبة الأشخاص الذين تلقوا اللقاح بالكامل في إيطاليا هي ثاني أكبر نسبة بين دول مجموعة السبع، بعد أن جعلت “الممر الأخضر” من كوفيد إلزامياً لمعظم العمال وإلزاميا لدخول معظم الأماكن العامة.
قال دراجي إن هذا سمح بإعادة فتح الشركات دون زيادة في العلاج بالمستشفيات، مما أدى إلى تعزيز ثقة المستهلك والإنفاق، كما ارتفع استهلاك الأسر بنسبة 5.5% في الربع الثاني.
وقالت إيما مارسيجاليا، رئيسة قمة الأعمال الدولية “بي 20″، وهي منتدى أعمال لمجموعة العشرين، إن ثمة عوامل أخرى تلعب دوراً أيضاً في الانتعاش الاقتصادي.
وأشارت مارسيجاليا إلى أن الاستثمار “يزدهر” بفضل الحوافز التي تدعمها الحكومة لتحسين كفاءة الطاقة وشراء الآلات والمعدات، فضلاً عن زيادة ثقة المستثمرين في حكومة دراجي بعد أعوام من عدم الاستقرار السياسي.
وعززت العديد من الشركات أيضاً استثماراتها الرقمية للتكيف مع الوباء، مما ساعد إيطاليا، التي تخلفت عن نظرائها في الاتحاد الأوروبي في الاستعداد للتجارة الإلكترونية، لأخذ الفرصة اللازمة لتحقيق انتعاش.
كان استثمار إيطاليا أعلى بنسبة 5% من مستويات ما قبل الوباء في الربع الثاني، وهو أقوى من الانكماش الهامشي في ألمانيا والانخفاض بنسبة 4.5% في المملكة المتحدة.
تدعم الصادرات أيضاً انتعاش ما بعد الجائحة، إذ تأثرت إيطاليا بشكل أقل من بعض الدول باضطراب سلسلة الإمداد بفضل انخفاض الاعتماد على واردات أشباه الموصلات.
وفي الأشهر السبعة الأولى من العام، ارتفعت قيمة صادرات السلع الإيطالية بنسبة 4% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، وهو ما يعتبر أفضل من الركود الذي سجلته ألمانيا والانكماش بالنسبة لفرنسا.
يذكر أيضاً أن التحول الأخضر والرقمي يمكن أن يستمر بوتيرة أسرع بكثير إذا حصلت إيطاليا على 205 مليارات يورو من خطة التعافي الجديدة التابعة للاتحاد الأوروبي والتي تم التعهد بها إذا تم تحقيق الأهداف والإصلاحات الرئيسية.
يعد هذا المبلغ أكبر التزام من جانب الاتحاد الأوروبي تجاه دولة عضو، وسيكون أكبر حزمة دعم لإيطاليا منذ خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تلقت إيطاليا بالفعل قسطاً قيمته 25 مليار يورو.








