أثار التضخم، قشعريرة البنوك المركزية حول العالم، وتبنت نظرة أكثر تشدداً.
وانتهى حديث مجلس الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي والمركزي البريطاني عن أن الأسعار المرتفعة بسرعة هي مؤقتة أو عابرة أو ستزول سريعاً.. وبدلاً من ذلك بدأوا القلق بشأن “استمرار” ارتفاع التضخم.
وخفض كل من البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي، بشكل حاد، برامجهما لشراء الأصول.
ورفع البنكان المركزيان في الاقتصادين البريطاني والنرويجي، الثريين ، أسعار الفائدة، بجانب قيام 9 بنوك مركزية في اقتصادات ناشئة، من تشيلي إلى روسيا، هي الأخرى برفع أسعار الفائدة.
حتى البنك المركزي الياباني، الذي غالبًا ما يهتم بالانكماش، تراجع عن دعمه النقدي لأزمة كورونا.
نادرًا ما كان هناك مثل هذا التحول الواضح عبر الاقتصاد العالمي نحو نظرة أكثر تشدداً بشأن التضخم، حسبما أشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وتعليقاً على الأمر، قال رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي في بنك “باركليز”، أجاي راجادياكشا : “من الواضح أن البنوك المركزية تتجه نحو نظام تشديد أسرع بكثير مما كان يبدو محتملاً قبل بضعة أشهر فقط”.
أما استراتيجي الصرف الأجنبي في مؤسسة “أي إن جي” الهولندية، فرانشيسكو بيسول، فقال إن أهم رسالة جديدة صدرت هذا الأسبوع كانت “مركزية التضخم في مناقشة السياسة”.
بالإضافة إلى إدراج التضخم ضمن صميم تفكيرهم، قلل المسؤولون المعنيون بشؤون السياسة النقدية من الأهمية التي يعطونها لفيروس كورونا وتأثيراته على النشاط الاقتصادي.
وأبرزت البيانات الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي والمركزي البريطاني، حالة عدم اليقين التي تحيط بمتحور أوميكرون .. لكن لا أحد منهم يعتقد أن الأمر سيكون محورياً بالنسبة للسياسة في الأشهر المقبلة.
وفي الولايات المتحدة، قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول، إن سلالة أوميكرون الوبائية “لا علاقة لها كثيراً” بخطته لتسريع التخلص من التحفيز النقدي في عصر الوباء.
وشددت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد على أن “اقتصاداتنا أصبحت أكثر مرونة وأقوى وأكثر قدرة على التكيف مع موجة تلو الأخرى ومتحور تلو الآخر”.
أما بالنسبة للمملكة المتحدة، فقال محافظ البنك المركزي أندرو بيلي إنه لم يكن واضحاً ما إذا كانت سلالة أوميكرون ستزيد من ضغوط التضخم أو تخفف من حدته “وهذا عامل مهم جداً بالنسبة لنا”.
لم يكن هناك ما يشير إلى أن هذه الردود منسقة، لكن اتساق رسالتهم آثار مخاوف بعض خبراء الاقتصاد من أن البنوك المركزية الرائدة ربما نسيت كيف يمكن أن تكون موجات كورونا المدمرة.
وقال إيان شيبردسون، كبير الاقتصاديين في “بانثيون مايكروإيكونوميكس”، إن محافظي البنوك المركزية الذين اتخذوا هذا الموقف المتشدد أو الأقل تشاؤماً في حالة البنك المركزي الأوروبي، لم يتخيلوا أبداً أن تحدث هذه الصاعقة المتعلقة بأوميكرون في شهري أكتوبر ونوفمبر.
وأضاف: “أنا مندهش من عدم وجود رغبة أكبر في قبول حقيقة أن الأمور يمكن أن تكون في الواقع سيئة للغاية لفترة من الوقت”.
وتشير “فاينانشيال تايمز” إلى أن السبب الأساسي وراء ارتفاع التضخم هو تجاوز الطلب العالمي قدرة العالم على توريد السلع والخدمات .. لكن رغم أن البنوك المركزية الرئيسية اعترفت بالمشكلة إلا أن الطريقة التي اختارتها لمعالجتها تباينت فيما بينها.
وكان سحب الاحتياطي الفيدرالي السريع للتيسير الكمي، والإشارة إلى أنه سيرفع أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال العام المقبل لتتراوح بين 0.75% و 1% رسالة جيدة.
ومع ذلك، كان الرأي السائد بين بعض الاقتصاديين أن هذه الخطوات متأخرة للغاية، نظراً لوصول التضخم الأمريكي بالفعل إلى 7% تقريباً، وهو أعلى مستوى له منذ أربعة عقود.
على النقيض من ذلك، فاجأ البنك المركزي البريطاني الجميع بزيادة أسعار فائدته، إذ يبدو وكأنه شعر بأن الأمر لا يتحمل الانتظار أكثر من ذلك، نظراً لارتفاع التضخم عن 5%، كما أن البنك تلقى تقارير تفيد بأن الشركات تخطط لمزيد من الزيادات في الأجور والأسعار.
وكان البنك المركزي الأوروبي أكثر هدوءاً لأنه شعر أن ثمة علامات أقل على نمو الأجور السريع في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، فقد استمر في توقع انخفاض التضخم في منطقة اليورو إلى ما دون هدفه في العامين أو الثلاثة أعوام القادمة.
كانت النتيجة العالمية الوحيدة المختلفة تأتي من تركيا، التي خفضت سعر فائدتها إلى 14%، رغم أن التضخم وصل إلى أكثر من 21%، وهو ما عزز الطلب الاستهلاكي مع زيادة بنسبة 50% في الحد الأدنى للأجور، لكن المستثمرون فروا من البلاد.
لا ينبغي حتى الآن النظر إلى أي من تحركات البنوك المركزية الأخرى المتشددة على أنها دليل على استقلاليتها عن الحكومة، خصوصا أن التضخم أصبح مشكلة سياسية في دول عديدة، ومنها الولايات المتحدة. كما أن الساسة يدعمون الإجراءات التي تتخذها البنوك المركزية.
علاوة على ذلك، لا تزال السياسة توفر الحافز، وتظل أسعار الفائدة منخفضة للغاية، وهناك مجال للتخفيف مرة أخرى إذا ثبت أن الآثار الاقتصادية لمتحور أوميكرون أسوأ من المتوقع.
والآن بعد أن بدأت دورة التضييق، اقترب التحدي الأكبر الذي يواجه البنوك المركزية، وهذا التحدي سيظهر إذا اضطروا إلى الذهاب أبعد من الخطوات التي اتخذوها الأسبوع الماضي أو اتخذوا قرارات غير شعبية للقضاء على التضخم المستمر في الاقتصاد.
وهذا يعني أن البنوك المركزية لم تواجه أكبر اختبار لها حتى الآن.