روبرت ماكولى يكتب: لماذا «بتكوين» أخطر من مخطط بونزى؟

تراجعت عملة بتكوين عن أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 69 ألف دولار فى 9 نوفمبر 2021، وعانت من انهيار مفاجئ مؤلم بقيمة 12 ألف دولار خلال عطلة نهاية الأسبوع الأولى فى ديسمبر وسط إغلاق المراكز ذات الرافعة المالية، ومع ذلك، حتى عند السعر الحالى البالغ 49 ألف دولار، يستمر الضيوف فى الأخبار التلفزيونية المالية فى الترويج لها على أنها أفضل الأصول أداءً فى السنوات الماضية، كما أنهم يحكمون عليها بشكل متزايد باعتبارها استثمارًا ذا مصداقية فى حد ذاته.

هذا يتناقض مع وجهة النظر المتشككة منذ فترة طويلة من قبل العديد من الاقتصاديين وغيرهم الذين يرون أن بتكوين، فى الواقع، هى مخطط بونزى، عالم الكمبيوتر البرازيلى خورخى ستولفى هو أحد الأصوات التى أكدت ذلك، ويرتكز رأيه على الملاحظات التالية: يشترى المستثمرون متوقعين الأرباح، يتم الحفاظ على هذه التوقعات من خلال توزيع أرباح من أولئك الذين يضعون المزيد من الأموال فى المخطط، لكن لا يوجد مصدر خارجى لتلك الأرباح، بل هى تأتى بالكامل من استثمارات جديدة، ويأخذ المشغلون جزءًا كبيرًا من المال.

كل هذا يبدو صحيحًا، ولكن عند تشبيه بتكوين بأنها مخطط بونزى، يمكن القول إن النقاد يتعاملون بلطف شديد فى ما يتعلق بتهمتين. أولا، ليس لدى بتكوين نفس نهاية لعبة مخطط بونزى، ثانيا، إنها تشكل لعبة ذات نتيجة سلبية للغاية من منظور اجتماعى واسع.

من الناحية الأولى، من المفيد تقييم أوجه تشابهها مع المخطط الأصلى الذى ابتكره تشارلز بونزى، فى عام 1920، وعد بونزى بربح نسبته %50 على استثمار لمدة 45 يوما وتمكن من دفع هذا المبلغ لعدد من المستثمرين، ثم عانى وتمكن من النجاة من تكالب المستثمرين عليه حتى انهار المخطط فى نهاية المطاف بعد أقل من عام عليه.

فى أكبر مخطط بونزى وربما الأطول فى التاريخ، دفع بيرنى مادوف عوائد بنحو واحد فى المائة شهريا، وعرض صرف أموال المشاركين فى خطته، سواء المبلغ الأصلى «المستثمر» أو «العائد» عليه، ونتيجة لذلك، كان من الممكن بل وتعرض المخطط للتكالب عليه لسحب الأموال، وأدت الأزمة المالية الكبرى لعام 2008 إلى سلسلة من عمليات الاسترداد من قبل المشاركين وانهيار المخطط.

على النقيض من الاستثمارات مع مادوف، لا يتم شراء بتكوين كأصل مدر للدخل بل بالأحرى كأصل صفرى الفائدة، وبمعنى آخر، لا تعد بشيء كعائد مستمر ولا تستحق أبدًا عند أجل محددن ويترتب على ذلك أنه لا يمكن أن تعانى من تكالب عليها، والطريقة الوحيدة التى يمكن لحامل بتكوين من خلالها صرف النقود هى البيع إلى شخص آخر.

قد يبدو انهيار بتكوين مختلفا تماما عن انهيار مخطط بونزى أو مادوف، قد يكون أحد المحفزات المحتملة هو انهيار ما يسمى بالعملة المستقرة، أى الدولار الأمريكى المصطنع الذى نشأ لتوفير جزء نقدى لمعاملات العملة المشفرة، ونظرا لغياب التنظيم والإفصاح، فليس من الصعب تخيل عملات مستقرّة كبيرة «تكسر القواعد»، كما حدث مع صندوق سوق المال المنظم الذى احتفظ بورقة ليمان فى عام 2008، وقد يؤدى هذا إلى تعطيل بيئة التشفير بالكامل بحيث يمكن ألا تكون هناك أى عروض شراء لبتكوين، قد يغلق السوق إلى أجل غير مسمى.

فى هذه الحالة، لن يكون ثمة جهد قانونى طويل الأمد لمطاردة أولئك الذين صرفوا عملة بتكوين الخاصة بهم فى وقت مبكر، ولن يكون لمالكى بتكوين أى حقوق على أولئك الذين اشتروا وباعوا مبكرا.

وفقا لتدفقاتها النقدى، تشبه عملة بتكوين مخطط ضخ وتفريغ الأسهم الصغيرة أكثر من مخطط بونزى، فى مخطط الضخ والتفريغ، يكتسب المتداولون أسهمًا لا قيمة لها بشكل أساسى ويتحدثون عنها وربما يتداولونها فيما بينهم بأسعار مرتفعة قبل تفريغها إلى أولئك الذين تجتذبهم الثرثرة وحركة السعر، ومثل مخطط الضخ والتفريغ، تستغل عملة بتكوين الرغبة الخالصة لتحقيق مكاسب رأسمالية، ولا يستطيع المشترى الوقوف على مرأى من الأصدقاء وهم يزدادون ثراءً بين عشية وضحاها: فهم يعانون من خوف حاد من فقدان الفرصة، وعلى أى حال، لا تقدم بتكوين أى وعود ولا يمكن أن تنتهى مع انتهاء مخطط بونزى.

فيما يخص التهمة الثانى، ثمة اختلاف كبير آخر بين نظام بتكوين ونظام بونزى وهو أن الأولى، من وجهة نظر إجمالية أو اجتماعية، لعبة ذات نتيجة سلبية، إلى الحد الذى يتم فيه استخدام الموارد الحقيقية للتكالب على الانسحاب من بتكوين، يكون الأمر مكلفا بطريقة لم تبلغها أبدا عملية مادوف المكونة من شخصين أو ثلاثة رجال، ومن وجهة النظر الاجتماعية، فإن ما استفاد به مادوف من مخططه واستهلكه بالأخير هو إعادة توزيع الأموال فى لعبة محصلتها صفر، والملاحظة الرابعة للعالم ستولفى أعلاه أن «المشغلين يأخذون جزءا كبيرا من المال» والذى يزيد على ما أخذه مادوف وإيرادات شركات تعدين بتكوين ، لكن هذه المكاسب مختلفة تماما من الناحية الاقتصادية.

فى الختام، يجب أن يعترف أى تحليل اقتصادى لعملة بتكوين بتفردها فى تاريخ الهوس، ففى مجال للمضاربة، فإن بتكوين غير مسبوقة من حيث الدرجة، ويتميز هوس ما بعد الحداثة هذا بأسعار باهظة إذ لا يخلص إلى مدخل فى ميزانيات أحد، ووصل بالفعل الأصل الدائم ذو العائد الصفرى وليس كمزحة وإنما كأصل قيمته تريليون دولار، ولى عكس مخطط بونزى، لا يمكن أن تنتهى عملة بتكوين بالتكالب عليها لسحب الاستثمارات.

فى حالة وقوع انهيار، سيخسر حاملو بتكوين بشكل جماعى ما دفعوه لشركات التعدين مقابل عملات بتكوين الخاصة بهم، وقد لا يكون هذا المبلغ بعيدًا عن المبلغ المستثمر فى الأصل مع مادوف، بعد حساب التضخم، لكن ملاك بتكوين لن يكون لديهم من يلاحقهم لاسترداد هذا المبلغ الذى سيكون ببساطة قد تبخر كالدخان، وسيمثل خسارة اجتماعية، عندئذٍ سيتمنى أصحاب بتكوين فقط لوأنها كانت تشبه مخطط بونزى.

بقلم: روبرت ماكولى، زميل كبير غير مقيم فى مركز سياسة التنمية العالمية بجامعة بوسطن وعضو مشارك فى كلية التاريخ بجامعة أكسفورد.

المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»