لم تحظ الصين بكثير من النجاح فى رياضة الكيرلنج التى ستقام فى أولمبياد بكين الشتوية المقرر بدء انعقادها فى 4 فبراير، لكن صناع السياسة الاقتصادية فى البلاد بإمكانهم الاستلهام من هذا الحدث الغامض، فهم هدف صعب المنال مثل الكرة الملساء التى يحركها لاعبو الكيرلنج.
يستهدف صناع السياسة تحقيق نمو اقتصادى بنسبة %5 أو أكثر عام 2022، رغم تهديدات متحور أوميكرون الذى ظهر فى 7 مقاطعات ومدن كبيرة منها شنغهاى وتيانجين، كما ظهرت أول حالة إصابة فى بكين فى 15 يناير الحالى.
لا تتوقف أوجه التشابه عند هذا الحد، فمثلما ينبغى تحقيق التوازن أثناء تحريك قرص الكيرلنج بقوة كافية للوصول إلى الهدف، يتعين على صناع السياسة فى الصين تحقيق التوازن، ويجب أن يُمنح الاقتصاد المتباطئ، البريق الكافى للنمو بنسبة %5، لكن ليس لدرجة تجاوز حدوده، مما يسهم فى التضخم والمضاربة.
وتشير الأرقام الصادرة فى 17 يناير إلى نمو الناتج المحلى الإجمالى للصين بنسبة %8.1 عام 2021، وهى أسرع وتيرة نمو له منذ عام 2011، كما نما إجمالى الناتج المحلى الاسمى، الذى لا يتكيف مع التضخم، بسرعة أكبر، بلغت %12.6 تقريباً، ونظراً لقوة العملة الصينية أيضاً، تجاوز الناتج المحلى الإجمالى للبلاد حاجز الـ 17.7 تريليون دولار (بأسعار صرف السوق)، بزيادة نسبتها %20 عن العام السابق، وفى ظل هذه الأرقام، فإن الاقتصاد يبدو وكأن يتمتع بكل الزخم الذى يحتاجه، حسبما ذكرت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية.
لقد تسبب الوباء فى إضعاف اقتصاد الصين فى أوائل عام 2020 لدرجة أن العام التالى كان سيبدو قويًا بشكل غير عادى إذا تمت مقارنته بـ 2020، لكن النمو انحسر فى الواقع، والآن، يجب أن يتعامل الاقتصاد أيضاً مع متحور أوميكرون.
على عكس الدول الأخرى، لا تنوى الصين التعايش مع الفيروس، حتى لو كان التفشى الأخير أقل حدة من سابقاته، بل ستحاول بدلاً من ذلك إبقاء متحور «كوفيد» الأقل قابلية للقمع بعيداً.
وأجبرت الاختبارات الإلزامية فى تيانجين، على سبيل المثال، شركة «تويوتا» بالفعل على تعليق صناعة السيارات فى مشروعها المشترك فى المدينة، كما واجهت «فولكس واجن» مشاكل مماثلة.
كما فُرض إغلاق واسع النطاق على مدينة شيان وسط الصين بعد الفشل فى احتواء تفشى متحور دلتا بسرعة كافية، وبالتالى قالت شركة «ميكرون»، إن الإجراءات سيكون لها بعض التأثير على إنتاج مصنعها، كما قالت شركة «سامسونج»، إنها ستضطر إلى تعديل الإنتاج فى مصنعها للذاكرة المحمولة، الذى يمثل حوالى %15 من السعة العالمية للرقائق.
يشعر عملاء الصين فى الخارج بالقلق بشأن ما يمكن أن يحدث إذا فُرض إغلاق على غرار شيان على مدينة أقرب إلى قلب آلة التصدير فى البلاد، لكن المتفائلين يشيرون إلى أن مراكز التصدير الصينية تقع فى الغالب فى مناطق أكثر ازدهاراً مع حكومات لديها إمكانات أكبر.
يشكل «أوميكرون» تهديداً اقتصادياً أكثر إلحاحاً بالنسبة للمستهلكين فى الصين وليس للعملاء الأجانب، فقد أدت القيود على السفر والتجمعات إلى إعاقة إنفاق التجزئة الذى نما بنسبة %1.7 فقط بالقيمة الإسمية فى ديسمبر، مقارنة بالعام السابق، وانكمش بعد التكيف مع التضخم.
ويعتقد بنك «جولدمان ساكس»، أن المزيد من عمليات الإغلاق خلال العام الحالى يمكن أن تخفض استهلاك الأسر بنسبة %1، كما أنه خفض توقعاته بشأن نمو الناتج المحلى الإجمالى ككل من %4.8 إلى %4.3، أى أقل من النسبة التى تستهدفها الحكومة.
عانى الزخم الاقتصادى الصينى الأخير أيضاً من نقص الفحم والقيود البيئية على كثافة الطاقة والقيود التنظيمية على شركات التكنولوجيا التى تواجه المستهلك، والقيود الصارمة على اقتراض مطورى العقارات، مما أجبر العديد منهم على التخلف عن السداد، وبالتالى زعزع ثقة مشترى المنازل.
فى لعبة الكيرلنج، يزيل المتزلجون بشكل محموم الحطام والعوائق الأخرى بعيداً عن طريق القرص الدوار لتسهيل مروره عبر الجليد، لكن صناع السياسة فى الصين كانوا يفعلون العكس ووضعوا عقبة تنظيمية تلو الأخرى فى مسار الاقتصاد.
ما الذى يفسر هذا الحماس التنظيمي؟
بعد انتعاش الاقتصاد سريعاً من الموجة الأولى للوباء، ربما استنتج صناع السياسة فى الصين أن الوقت مناسب لكبح بعض الآثار الجانبية السلبية للنمو، مثل التلوث والمضاربة على العقارات، فقد بدا الزخم الاقتصادى مضموناً، وازدهرت الصادرات بشكل خاص، إذ أنفق الناس حول العالم أقل على الخدمات وجهاً لوجه خلال فترة تفشى الوباء والمزيد على السلع اللازمة للحفاظ على سلامتهم، وربما ينحسر المصدر الخارجى للنمو خلال عام 2022.
فعلى سبيل المثال لن يتجه الأجانب مرة أخرى على الأرجح إلى وسائل الراحة المنزلية التى اتجهوا إليها خلال عمليات الإغلاق الأخيرة، وأدرك صانعو السياسات، بعد وقت متأخر نسبياً، أن النمو يحتاج إلى الاستقرار، فقد خفض البنك المركزى الصينى فى يناير الحالى سعر الفائدة على قروضه لأجل عام من %2.95 إلى %2.85، تلى ذلك انخفاض فى المعدلات المرجعية للقروض المصرفية، وهذه التخفيضات تأتى عقب خفض الشهر الماضى فى متطلبات الاحتياطى المفروضة على البنوك.
رغم أن حكام الصين فى التزام الآن بتحقيق الاستقرار الاقتصادى، فإنهم مازالوا قلقين من المبالغة فى تحفيز الملكية، التى تميل إلى إثارة الفقاعات المضاربة، وتريد بكين من الحكومات المحلية فعل ما يكفى، لكن ليس بشكل أكثر من اللازم.








