في ظل محاصرتها بين موسكو وواشنطن بسبب رد فعلها بشأن الحرب في أوكرانيا- تعتمد نيودلهي على روسيا في الحصول على الأسلحة والولايات المتحدة هي وجهة تصديرها الرئيسية- فإن الصراع المستمر سيعقد بشكل خطير توقعات الاقتصاد الكلي للهند.
لن يؤدي الارتفاع الكبير في تكاليف التشغيل إلى خفض أرباح الشركات الهندية من شركات الطيران إلى الشركات المصنعة للأسمدة الكيماوية والبتروكيماويات فحسب، بل سيؤثر أيضاً على آفاق سوق الأسهم، وسيؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى إلحاق مزيد من الألم بشركات السيارات التي تكافح بالفعل للتعامل مع ارتفاع تكاليف المدخلات ونقص الرقائق العالمية والطلب الراكد.
رغم أن حصة روسيا من واردات البترول الخام الهندي ضئيلة، إذ تضخ ثالث أكبر منتج في العالم ما يصل إلى 10 ملايين برميل يومياً، فإن حظر صادرات البترول الروسية سيبقي أسعار البترول الخام العالمية مرتفعة.
بالنظر إلى أن الهند تعتمد على الواردات في 85% من احتياجاتها البترولية، فإن ارتفاع أسعار الطاقة، حتى لو بقيت عند مستوياتها المرتفعة الحالية، سيضعف عملة الهند، ويزيد من ضغوط التضخم، ويرفع تكلفة الحفاظ على مجموعة من الإعانات المكلفة.
باختصار، من المرجح أن تدمر الحرب في أوكرانيا التوقعات المالية الحالية للهند ويمكن أن تخفض الناتج المحلي الإجمالي بمقدار يصل إلى 300 نقطة أساس، حسبما ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
تشير أحدث تقديرات الميزانية إلى أن الهند وضعت في الحسبان أسعار البترول الخام عند حوالي 75 دولارا للبرميل، مع توقع انخفاض التضخم قريباً إلى نسبة جيدة تبلغ 4%، ونمو اقتصادي إجمالي يصل إلى 8% خلال العام الجاري، لكن الحرب في أوكرانيا تحمل مخاطر سلبية كبيرة على الاقتصاد الهندي إذا لم يكن هناك نهاية تلوح في الأفق لهذا الصراع.
ما يبدو الآن أكثر أماناً أن نفترضه هو أن أسعار البترول الخام ستحوم حول 100 دولار للبرميل لبعض الوقت، لكن إذا لم تنحسر أسعار البترول، فسيكون من المستحيل تقريباً على الهند تلبية هدف العجز المالي الحالي.
مع صعوبة تنفيذ تخفيضات النفقات دائماً، سيضطر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى تقليص نفقات الإنفاق الرأسمالي، التي وعدت حكومته بزيادتها بنسبة 30%.
في آخر مراجعة لسياسته النقدية، التزم بنك الاحتياطي الهندي بالحفاظ على موقفه التكيفي الحالي “طالما كان ذلك ضرورياً لإنعاش النمو والحفاظ عليه على أساس دائم”، لكن التضخم المستمر، الذي تفاقم بسبب الأزمة الأوكرانية، سيجبر الاحتياطي الهندي على تغيير مساره والانفتاح على ارتفاع أسعار الفائدة.
هذا الأمر سيزيد من تكلفة الاقتراض ويؤجل أي أمل في انتعاش اقتصادي يقوده الاستثمار الخاص، وستكون النتيجة نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل أقل من المتوقع.
كان النمو الاقتصادي للهند البالغ 5.4% في الأشهر الثلاثة حتى ديسمبر الماضي أقل من التوقعات البالغة 6%، مع تباطؤ نمو الزراعة إلى 2.6% وركود التصنيع عند 0.2%.
تراجع قطاع البناء، أكبر مصدر للوظائف في الهند بعد الزراعة، خاصة بالنسبة لملايين العمال غير المهرة وشبه المهرة، بنسبة 2.8%، وما زاد الأمور سوءاً هو تراجع النمو في قطاع الخدمات، الذي يمثل حوالي 55% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 8.2% من 10.2% في الربع السنوي السابق.
بعبارة أخرى، هذا الوقت الذي اندلعت فيه أزمة أوكرانيا يعتبر أسوأ بالنسبة للهند، فهي تثير المخاطر بالنسبة لتعافي الهند الأقل قوة بسبب الوباء، كما أن انخفاض الإنتاج الزراعي أثناء الارتفاع العالمي في أسعار السلع الأساسية من المرجح أن يفرض ضغط إضافية على تضخم الأغذية.
نظراً لضعف الاستثمار الخاص والطلب الأسري البطيء على جميع أنواع السلع والخدمات، تعتمد الهند بشكل متزايد على الإنفاق الحكومي والصادرات لدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، فإن النمو الأقل من المتوقع وبالتالي انخفاض تحصيل الإيرادات الضريبية، بجانب فواتير الدعم المتضخمة، سيقلل من قدرة الحكومة على دعم الاقتصاد.
ثمة أنباء سيئة أخرى لآفاق التصدير الهندية التي لا يمكن حتى لعملة منخفضة تعويضها، وتتمثل هذه الأنباء في حقيقة أن اضطرابات سلسلة الإمداد الناجمة عن العقوبات الغربية على روسيا ستزيد من إعاقة التجارة العابرة للحدود والتدفقات المالية، وبالتالي تباطؤ الانتعاش الاقتصادي العالمي بشكل عام.
كما أن إمكانية تضرر الصادرات الهندية الناتجة عن الضرر الذي يلحق بالعلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا يعد واحداً من الأمثلة الأخرى على التأثير المتواصل للعقوبات الغربية على موسكو.
تجاوزت التجارة الثنائية بين أوروبا وروسيا حاجز الـ 300 مليار يورو في في عام 2021، ما يعني أن أي محاولة لفصل الاقتصادين من المؤكد أن تؤثر سلباً على توقعات النمو الإجمالية، فضلاً عن الإضرار بجهود الهند لتنمية كلا السوقين كوجهة لصادراتها.
تشير التوقعات الأكثر كآبة عبر جميع الدوافع الاقتصادية الرئيسية، سواء أكانت الاستهلاك أو الصادرات أو الاستثمار الخاص، إلى أن توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند تتجه نحو انخفاض حاد.
مع ذلك، ثمة بعض الطرق والوسائل الممكنة التي يمكن أن تسهم في خفض الأضرار التي تلحق بالاقتصاد الهندي، حيث يمكن للهند استخدام الطريق التجاري بينها وبين روسيا الذي جرى تجربته واختباره، وله تاريخ طويل يعود إلى الخمسينيات، لمواصلة ممارسة الأعمال التجارية بين البلدين، فعلى سبيل المثال، يمكنها شراء البترول الخام الروسي في مقابل بيع منتجاتها الصيدلانية إلى روسيا.
ومن المؤكد أن الوصول إلى الطاقة الروسية المخفضة سيساعد الهند على تقليل نفقات واردات البترول والحفاظ على التضخم، وهو أحد أكبر تحديات الاقتصاد الكلي في البيئة الاقتصادية الحالية.