عام 1963، عندما اجتاحت عملية إنهاء الاستعمار أفريقيا، دعا الساسة المتحمسون للوحدة الأفريقية إلى سوق قارية مشتركة، رأوا فيها وسيلة لتجاوز النماذج الاقتصادية الاستعمارية القائمة على استخراج وتصدير الموارد الطبيعية.
وللأسف لم يكن هناك تقدم كبير منذ ذلك الحين، فما زالت التجارة بين البلدان الأفريقية صغيرة مقارنة بالتجارة الخارجية للقارة، حيث تبلغ نسبة صادرات الدول الأفريقية الموجهة إلى دول أخرى في القارة 18% فقط، وهي أقل من الأرقام المكافئة لآسيا البالغة 58% وأوروبا البالغة 68%.
وتهدف منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية إلى المساعدة في تغيير ذلك، إذ صادقت 41 دولة أفريقية من بين 55 دولة على هذا الاتفاق الطموح، لأن تسهيل التجارة بين تلك الدول وبعضها البعض من شأنه تعزيز التصنيع والدخل والنمو، بحسب مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
يقدر البنك الدولي أنه بحلول عام 2035، ستمكن اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية 30 مليون شخص إضافي من الهروب من الفقر المدقع، وزيادة الصادرات بين الدول الأفريقية بنسبة 81% وزيادة الأجور بنسبة 10%.
تعمل اتفاقية التجارة الحرة القارية من الناحية النظرية منذ بداية عام 2022، لكن من الناحية العملية لم تتم أي عملية تجارية بموجب شروطها بسبب الخلاف السياسي المستمر، وبالتالي يخاطر قادة أفريقيا بضياع الوعد بتجارة حرة بشكل أكثر.
تأتي بعض الفوائد المحتملة لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية من التعريفات المنخفضة، لكن حتى يتحقق ذلك ما زال يتعين على المفاوضين التجاريين في القارة بالاتفاق على قواعد المنشأ، وهي حجر الأساس لأي منطقة تجارية.
مع ذلك، فإن الجائزة الكبرى لن تأتي من انخفاض التعريفات بل من “الحواجز غير الجمركية” الأقل، التي تعمل على إزالة المزيد من العقبات الأخرى التي تجعل من الصعب، على سبيل المثال، على مزارع أوغندي تصدير الدجاج إلى كينيا أو تصدير القماش من بنين إلى نيجيريا.
تشمل هذه الحواجز الفساد والبنية التحتية الرديئة والروتين عند المعابر الحدودية والإجراءات البيروقراطية الجمركية الشبيهة بالكسل واللوجستيات باهظة الثمن، حيث تتسبب تلك الأمور في رفع تكلفة نقل البضائع داخل أفريقيا بمقدار ثلاثة إلى أربعة أضعاف التكلفة في أجزاء أخرى من العالم.
عام 2017، استغرق الأمر 251 ساعة في المتوسط لضمان سلامة الأوراق عند استيراد البضائع إلى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، مقابل 9 ساعات في الدول الغنية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
يمكن إصلاح العديد من هذه المشاكل، حيث يمكن تعبئة الفجوات وزيادة حجم الموانئ، ويمكن رقمنة الأعمال الورقية وإرسالها في وقت مبكر، كما يمكن لمزيد من الدول بناء مراكز حدودية شاملة، بدلاً من جعل سائقي الشاحنات يقفون في طوابير منفصلة للخروج وضرائب الطرق وفحص المركبات والتخليص الجمركي.
في شرق أفريقيا، أدى هذا التبسيط في الإجراءات إلى تقليص أوقات العبور من 12 ساعة إلى 4 ساعات.
كما أن عدم الحاجة إلى اختبارات كوفيد-19 من شأنه السماح للشاحنات بقضاء وقت أطول في النقل ووقت أقل في إنهاء الإجراءات.
يجب أن تسهل الدول إنشاء شركات لوجستية ناشئة، مثل الشركات التي تخفض التكاليف عن طريق مطابقة الأحمال بالمركبات الفارغة، خاصة أن النقل الأرخص يعني وجود بضائع رخيصة في المتاجر.
ومع ذلك، فإن قول كل هذه الأمور أسهل من تطبيقها، فهي تواجه عقبات عدة إحداها يتمثل في أن المصالح الخاصة، مثل نقل الكارتلات والبيروقراطيات الجمركية، تستفيد من عدم الكفاءة، وقد أظهرت غانا إمكانية التخلص من تلك العقبات.
ثمة مشكلة أخرى وهي أنه رغم جميع المواعظ التي تدور حول التجارة الحرة، فإن العديد من الساسة الأفارقة يعتبرون أنصار الحمائية، ولا يبدو أن أي دولة اتخاذ الخطوات الأولى فيما يتعلق بالمحادثات الجارية حول تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة.
رغم أنها ستستفيد أكثر من غيرها، فإن الاقتصادات الأكبر في كل منطقة- مصر وكينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا- أثبتت أنها بطيئة للغاية في تبني اتفاقية التجارة.
وهناك تحدي آخر يتعلق بالأطراف الخارجية، بما فيهم الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، الذين يقولون إنهم يريدون دعم منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، لكنهم غالباً ما يقوضونها من خلال توقيع اتفاقيات ثنائية تؤدي بعد ذلك إلى تعقيد جهود أفريقيا لتنسيق قواعدها التجارية.
تتطلب كل مشكلة من هذه المشكلات نوع القيادة الذي ظل حتى الآن في حالة ندرة، لكن إذا اغتنم الساسة الفرصة فيمكن أن تساعد اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية القارة على الخروج من الركود الاقتصادي الذي عانت منه بسبب الوباء والحرب في أوكرانيا، فضلاً عن أنها سترسل رسالة إلى بقية العالم.