في رأيي، أصبح المستثمرون متشائمين للغاية حول التوقعات بشأن الاقتصاد الأمريكي وسوق الأسهم، ولا أتذكر الكثير من الاتجاه الهبوطي لسوق الأسهم منذ وقت طويل جداً.
أعتقد أن السبب في الغالب هو أن “دور الفيدرالي” غير فعال، ولطالما كان من المتوقع أن يتدخل الفيدرالي الأمريكي لإنقاذ الأسواق عندما تصبح الأمور صعبة، لكن الآن لم يعد من الممكن الاعتماد عليه في ذلك لأن التضخم لم يكن مشكلة خطيرة كما هي اليوم منذ السبعينيات.
وقد أقر بنك الاحتياطي الفيدرالي أخيرًا بذلك في أواخر العام الماضي وابتعد بشكل متزايد عن موقفه الفضفاض خلال عامي 2020 و2021 وبدأ في تشديد السياسة النقدية، ويتوقع كثيرون ألا يكون أمامه خيار سوى رفع سعر الفائدة القياسي على الأموال الفيدرالية إلى أعلى من 2% لكبح التضخم، ومع ذلك، شدد سوق السندات بالفعل شروط الائتمان بشكل كبير.
ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين، والذي يميل إلى قيادة الفائدة الفيدرالية، من 0.16% فقط قبل عام إلى 2.68% يوم الجمعة، وارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات من مستوى قياسي منخفض بلغ 0.51% في 31 يوليو من العام الماضي إلى 3.13% يوم الجمعة، وقفزت الفائدة على الرهون العقارية لمدة 30 عامًا من 3.29% في بداية هذا العام إلى 5.45 في المائة الأسبوع الماضي.
نتيجة لذلك، انخفض مؤشر ناسداك بنسبة 24.4% إلى سوق هابطة من أعلى مستوى سجله في 19 نوفمبر حتى الجمعة الماضية، وانخفض مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 14.0 عن أعلى مستوى سجله في 3 يناير.
خلال نفس الفترة، انخفضت نسبة السعر إلى الربحية المتوقعة لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” من 21.5 إلى 17.5 مرة، ويعكس هذا التراجع في مؤشر S&P 500 بالإضافة إلى الزيادة في الأرباح المتوقعة لكل سهم من أسهم الشركات المدرجة فيه.
هذا صحيح، وبينما يقلص المستثمرون مضاعف التقييم كان المحللون يرفعون توقعات الأرباح ذاتها! ومع ذلك فإن تقليص نسبة الربحية المتوقعة أمر منطقي لأنه يميل إلى الارتباط عكسياً بالتضخم وعائدات السندات، وكلاهما يرتفع، لكنه يشير أيضاً إلى أن المستثمرين قلقون أكثر من المحللين من أن الظروف المالية الأكثر تشدداً ستؤدي إلى الركود.
أنا أؤيد المحللين رغم أنهم ليسوا جيدين بشكل خاص في توقع فترات الركود، ومن ناحية أخرى، عانى المستثمرون من نوبات ذعر عديدة منذ الأزمة المالية لعام 2008 بسبب فترات ركود وشيكة لم تحدث.
على الجانب الإيجابي من التوقعات، فإن المستهلكين الأمريكيين في حال جيدة، وهم مستاءون من التضخم، لكن سوق العمل ينقصه معروض والعديد من الموظفين يتركون وظائفهم مقابل أجر أفضل، كما جمع المستهلكون الكثير من المدخرات منذ بداية الوباء.
في غضون ذلك، أعادت الشركات غير المالية تمويل ديونها ولايزال لديها الكثير من السيولة في ميزانياتها بعد أن جمعت 2.3 تريليون دولار في سوق السندات على مدار الـ 24 شهرًا الماضية حتى نهاية مارس، وعادة ما كانت حالات الركود السابقة ناتجة عن أزمات الائتمان الناتجة عن تشديد الفيدرالي، وأشك في أن هذا محتمل الحدوث حالياً مع تجاوز المعروض النقدي فئة “M2” اتجاهه قبل الوباء بمقدار 3 تريليونات دولار.
وأتوقع أن يصل التضخم إلى ذروته هذا الصيف بين 6-7% وينخفض إلى 3-4% العام المقبل دون حدوث ركود، وكان تضخم السلع الاستهلاكية المعمرة محموماً بشكل خاص خلال العام الماضي ومن المرجح أن يهدأ خلال العام المقبل بعد إشباع الطلب المكبوت إلى حد كبير، ومن المفترض أيضًا أن تنحسر اضطرابات سلسلة التوريد.
يُعزى معظم الانخفاض في مضاعف ربحية مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” منذ بداية العام الحالي إلى ثمانية أسهم ضخمة – “ألفابيت” و”أمازون” و”أبل” و”ميتا” و”مايكروسوفت” و”نتفلكس” و”إنفيديا” و”تسلا” – والتي تشكل حالياً 23% من القيمة السوقية للمؤشر، وارتفعت نسبة السعر للربحية للمؤشر خلال العام الأول من الوباء إلى حوالي 35.0، وظلت عند ذلك المستوى العام الماضي ثم انخفضت الآن إلى 25.
من ناحية أخرى، تمتع قطاع الطاقة في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بأداء متفوق بشكل كبير العام الحالي، وكانت هناك أيضًا فرص لكسب المال في “إعادة الانفتاح الاقتصادي” للصفقات إذ قلل المستثمرون من رهاناتهم على السلع الاستهلاكية وزادوا استثماراتهم في الخدمات الاستهلاكية، كما أن أداء القطاع المالي، وخاصة المتعلقة بالتأمين، كان جيدًا أيضًا، ومن بين الصناعات الفائزة هي تلك المتعلقة بإنتاج الأغذية والبيع بالتجزئة، وهناك الكثير من الفرص الجيدة لشراء الأسهم في القطاعات التي كان أداؤها ضعيفًا حتى الآن هذا العام.
خلاصة القول أنني في معسكر التصحيح الآن، وأتوقع أن أرى مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” في مستوى قياسي مرتفع مرة أخرى العام المقبل، ويسهم الدولار القوي في هذه التوقعات الصعودية، ما يشير إلى أن المستثمرين العالميين يرون الولايات المتحدة كملاذ آمن في عالمنا المضطرب.
بقلم: إدوارد ياردينى، رئيس شركة “ياردينى” للأبحاث
إعداد – رحمة عبدالعزيز
المصدر – صحيفة “فاينانشيال تايمز”








