حتى اندلاع الحرب الأهلية فى نوفمبر 2020، كان خبراء اقتصاد التنمية يعتبرون إثيوبيا- ثانى أكبر دولة فى أفريقيا من حيث عدد السكان إذ يبلغ عدد سكانها 114 مليون نسمة- قصة نجاح، وإن كانت قصة نجاح هندستها حكومة شمولية.
فى 15 سنة حتى عام 2019، نما اقتصاد إثيوبيا مدفوعاً بالاستثمار فى الزراعة والصناعة والبنية التحتية، بمتوسط %7 سنوياً للفرد، وهو من أسرع معدلات النمو فى العالم، بحسب بيانات البنك الدولى.
ورغم أنها مازالت دولة فقيرة إلى حد ما، حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى نحو 950 دولارا فى عام 2020، فإن أعوام النمو وضعت الدولة على أعتاب فئة دول الدخل المتوسط الأدنى.
فى إشارة إلى النموذج الذى تقوده الدولة والمستوحى من آسيا، قال كينجسلى أمواكو، الأمين التنفيذى السابق للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا «لا شك شك فى أن إثيوبيا حققت مكاسب هائلة عبر نهج دولة التنمية».
بدت معجزة إثيوبيا الاقتصادية غير المكتملة شبه ميتة حيث تسببت الحرب فى خسارة ما قدره مسئولون «بمليارات الدولارات» فى النمو الضائع والطرق والمصانع والمطارات المدمرة.
كما أدى النزاع إلى إتلاف هدنة سياسية هشة سعت من خلالها الجماعات العرقية الرئيسة فى البلاد، التى كانت منذ نحو 30 عاماً فى ظل سيطرة مشددة لتحالف تقوده جبهة تحرير شعب تيجراى، لوضع خلافاتها جانبا لمصلحة التنمية الوطنية.
تلقى الاقتصاد ضربة أخرى عندما سحب المانحون الأجانب مليارات الدولارات من الدعم المالى بعد اندلاع الحرب فى 2020، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
فى العام الماضى، شددت واشنطن العقوبات بشكل أكبر، ما أنهى وصول إثيوبيا إلى السوق الأمريكية دون تعرفة جمركية وهدد آلاف الوظائف فى صناعة النسيج المزدهرة.
الآن، ورغم ذلك، فإن احتمالية إجراء محادثات سلام عززت الآمال- وإن كانت مؤقتة- بشأن إمكانية استعادة الزخم الاقتصادى لإثيوبيا.
قال تيودروس ميكونين، الاقتصادى فى أديس أبابا: «سنعانى تباطؤاً قبل بدء الصعود مرة أخرى»، مضيفاً أن الاقتصاد بإمكانه التعافى إذا أمكن حل النزاع بشكل دائم.
يشير المسئولون إلى أن الوقف الدائم لإطلاق النار قد يؤدى إلى تحرير أكثر من أربعة مليارات دولار من التمويل المجمد، وتخفيف النقص الحاد فى النقد الأجنبى الذى ابتلى به الاقتصاد حتى قبل بدء الحرب.
قال آبى سانو، رئيس البنك التجارى الإثيوبى المملوك للدولة، أكبر بنك فى البلد: «دون سلام، لا يوجد اقتصاد».
مع ذلك، نظراً لشدة الحرب وتأثير الوباء، فقد كان أداء إثيوبيا أفضل مما توقع كثيرون، فقد أشار صندوق النقد الدولى إلى أن الاقتصاد الزراعى الأساسى نما بنسبة 6.3% فى العام الماضى، وهو ما دون مستوى الأعوام السابقة لكنه أعلى بكثير من المتوسط القارى.
رغم أن البعض شكك فى موثوقية تلك البيانات، قال ستيفان ديركون، أستاذ السياسة الاقتصادية فى جامعة أكسفورد وخبير فى شؤون إثيوبيا، إن الناتج المحلى الإجمالى يقيس تدفق الدخل ولا يسجل على الفور تأثير الأصول المدمرة، مضيفاً أن الإنفاق على الحرب يمكنه أن يعزز النشاط الاقتصادى بالفعل على المدى القصير.
قال وزير المالية الإثيوبى أحمد شيد، إن الاقتصاد يعانى «تحديات وصدمات متعددة، داخلية وخارجية على حد سواء»، لكنه مرن رغم الصدمات المتعددة.
مع ذلك، سيكون العام الجارى أكثر صعوبة، حيث يتوقع صندوق النقد الدولى تباطؤ النمو الاقتصادى إلى 3.8% فقط، ويرجع ذلك جزئياً إلى حرب أوكرانيا والجفاف الشديد فى أجزاء من الدولة، كما يتوقع أن يصل معدل التضخم إلى %35 بسبب مشكلات سلسلة الإمداد المحلية والعالمية.