وسط تصاعد التوترات بين موسكو والغرب بسبب الحرب في أوكرانيا، خفضت روسيا بالفعل بشكل كبير صادراتها من الغاز إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا.
بالتالي تخشى ألمانيا المعاناة من أزمة غاز شتوية يمكن أن تشل الصناعة وتترك ملايين الألمان يتجمدون في منازلهم.
وتتجه كل الأنظار نحو خط أنابيب “نورد ستريم 1″، الذي يربط روسيا مباشرة بأوروبا عبر بحر البلطيق، إذ خفض عملاق الغاز الروسي الذي تسيطر عليه الدولة “غازبروم” طاقة خط الأنابيب بنسبة 60% في يونيو، وأغلقته بالكامل يوم الاثنين من الأسبوع الماضي للصيانة الروتينية.
وعادةً ما يستمر الإغلاق لمدة 10 أيام فقط في الظروف العادية، لكن الخوف في برلين هو أن “نورد ستريم 1” لن يعود إلى العمل كما هو مقرر يوم الخميس.
ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية أن التوقف المطول بعد هذا الأسبوع سيؤدي إلى إعاقة خطط ألمانيا لتخزين الغاز قبل موسم التدفئة.
وأكد يورج روثرميل، من “في سي أي”، وهي الهيئة التجارية لصناعة الكيماويات الألمانية التي تعد ثالث أكبر صناعة في البلاد بعد السيارات والآلات، أن النقص الناتج يعني أن “الشركات ستضطر إما إلى تقليل استهلاك الغاز أو الحد من الإنتاج”.
إذا توقفت التدفقات تماماً، يتوقع معظم الاقتصاديين أن تشهد القوة الاقتصادية في منطقة اليورو انخفاضاً حاداً في الإنتاج.
ويشير المحللون في بنك “يو بي إس” السويسري ، إلى أن اختفاء الغاز في الشتاء القادم سيؤدي إلى حدوث “ركود عميق”، خصوصا مع احتمالات فقدان نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام المقبل.
وحذر البنك المركزي الألماني من أن التأثيرات غير المباشرة على سلاسل الإمداد العالمية للأزمة الأوكرانية الراهنة من شأنها “زيادة تأثير الصدمة الاقتصادية إلى الضعف ونصف الضعف”.
نظراً لأن الشركات الصناعية في جميع أنحاء ألمانيا تواجه الاحتمال الحقيقي للحياة دون الغاز الطبيعي، فإن البعض يستكشف طرقاً لاستبداله بمصادر طاقة أخرى، لكن بالنسبة لأولئك الذين لديهم أجهزة خاصة بالوقود، أو أولئك الذين يستخدمونها كمواد خام، لا يوجد بديل.
قال روثرميل إن “بعض الشركات ما زال لديها منشآت يمكنها استخدام أنواع وقود بديلة، مثل زيت التدفئة أو الفحم، لكن وفقاً لتقديراتنا، يمكن استبدال ما بين 2% إلى 3% فقط من استهلاك الغاز في صناعتنا بهذه الطريقة، وهذا لا يكفي لحل المشكلة التي نواجهها”.
تستعد الحكومة الألمانية للأزمة التي تلوح في الأفق، فمنذ ما يزيد قليلاً عن ثلاثة أسابيع، أطلقت المرحلة الثانية من خطة الطوارئ الوطنية للغاز، وهي خطوة تقرب ألمانيا نحو تقنين الإمدادات.
كما أن الحكومة تعيد تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم وبناء محطات استيراد جديدة للغاز الطبيعي المسال وتخطط لنظام مزاد لتحفيز العملاء الصناعيين على خفض استهلاكهم للغاز.
في غضون ذلك، طُلب من الشركات أن تستعد لاحتمالية وقف الإنتاج، وقالت وزارة الاقتصاد في خطاب أرسلته مؤخراً إلى أحد أعضاء البرلمان المعارض، إن جميع “مشغلي البنية التحتية الحيوية” مثل المستشفيات يجب أن يحصلوا على مولدات طاقة طارئة.
كما أن الشركات ليست قلقة بشأن وقف إمدادات الغاز فقط، بل ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي القياسي الأوروبي ثمانية أضعاف خلال الـ 18 شهراً الماضية من حوالي 20 يورو للميجاوات في الساعة إلى ما يزيد عن 160 يورو للميجاوات في الساعة.
وتضاعف السعر في الشهر الماضي وحده، وهو ما دفع شركات عديدة إلى التحذير من صعوبة استمرار عملها في ظل هذا المعدل.