قال الدكتور نظير عياد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إن الإسلام لم يقيد النظم الاقتصادية بحد معين، وإنما ترك للناس حق التطوير والتجديد لتلك النظم، وتشريع ما هم بحاجة إليه منها، شريطة أن يكون ذلك وفق القواعد والضوابط الشرعية التي تعمل على تحقيق مصالح الفرد والمجتمع.
جاء ذلك خلال فعاليات الملتقى الفقهي الثاني فقه الاستثمار والاقتصاد ” التأصيل الإفتائي، واستشراف المستقبل”، والذي نظمه مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، وناقش في محاوره منهجية صناعة الفتوى في قضايا الاستثمار والمستجدات الاقتصادية، ودور الاجتهادات الفقهية في دعم التنمية والاستثمار، والاقتصاد السلوكي في ضوء النصوص الشرعية.
وأضاف عياد أن من أهم مخرجات الملتقى أن النظام الاقتصادي الذي يقرره الإسلام وفق مبادئ الشريعة الإسلامية من خلال كلياتها ومقاصدها العامة صالح للبشرية كافة، بما يحفظ التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الأمة، موضحا أن غياب المعرفة الاقتصادية والمالية الكاملة والصحيحة، والاقتصار على ما يقدم فقط من تعريف أو توصيف للمعاملات المالية والاقتصادية سببا رئيسا في تضارب الفتوى في القضايا الاقتصادية.
وأشار عياد إلى أن الفتوى في العملات الرقمية المشفرة والمعاملات الافتراضية من الأهمية بمكان ، ومن ثم لا يسوغ فيها مجرد الاجتهاد الفردي، بل تفتقر إلى الاجتهاد الجماعي الذي تنتفي معه الفوضى التشريعية.. مؤكدا أن الشريعة الإسلامية وضعت أصولا كلية عامة للنظام الاقتصادي، وتركت تحديد فلسفة التفصيلات لمتغيرات الواقع، وتطورات الأزمنة، ومن ثم يتحتم على المفتي التفرقة بين الاجتهاد الفقهي التراثي ومناسبته لواقعه القديم، الذي يختلف عن واقعنا المعاصر.
وأكد على ضرورة اعتماد الاجتهاد الجماعي للمؤسسات الدينية الرسمية، والتحذير من الاجتهادات الفردية في مثل هذه القضايا التي تتعلق بمصير الأمم والشعوب.
وقال عياد إن “مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية” يدعم جهود الدولة المصرية في مجال الاقتصاد والاستثمار لتحقيق الأهداف التنموية، وذلك من خلال أمورة عدة أولها إنشاء “وحدة الاستثمار” التي تعنى بدراسة فقه الاقتصاد والاستثمار من قبل متخصصين على درجة عالية جدا من الوعي بظروف المجتمع وما يحيط به من أحداث ومتغيرات، وثانيها إعداد مفت في القضايا الاقتصادية يتمتع بالحس الاجتهادي، ويتصف بالقدرة على الإفتاء المبني على قواعد سليمة تأخذ الواقع المعاش بعين الاعتبار، وتراعي الأولويات والمآلات، وتستأنس بالقرائن والعادات، وتستشرف المستقبل وثالثها ضبط الفتاوى الهاتفية المتعلقة بالاستثمار، والتصدي للفتاوى الشاذة التي من شأنها العبث باقتصاديات الدول وتعطيل معدلات النمو فيها.
وأكد عياد أن المشاركين في في الملتقى أقروا عدة توصيات أهمها ضرورة استعانة الفقهاء والمتصدرين للفتوى بأهل الكفاءة والخبرة والتخصص الدقيق في الاقتصاد والاستثمار، حتى يصح تصور القضايا وتكييفها تكييفا فقهيا سليما، ومن ثم تصح الأحكام المتعلقة بها.
وأشار المشاركون في الملتقى إلى ضرورة مراعاة الجانب الأخلاقي في الاقتصاد والاستثمار، الذي يؤكد على قيمة تحري الحلال الطيب في الرزق، ومراعاة حقوق العمال، والربح الهادف، وقيمة البذل والعطاء للفقراء والمرضى والمحتاجين ، وتأصيل منهجية واحدة منضبطة متفق عليها في فتاوى الاقتصاد والاستثمار، تراعي التغيرات الهائلة في الأنظمة الاقتصادية الحديثة، والواقع المعاش، ومقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها .. مؤكدين أهمية تبني المؤسسات الدينية رؤية إعلامية واضحة لبناء الوعي الاقتصادي عند الجماهير، والتعريف بسبل الاستثمار الآمن في ضوء المقاصد الكلية العليا للشريعة الإسلامية في (البيع والشراء والشراكة والمرابحة والمضاربة) وغيرها من المعاملات التجارية المستحدثة، حتى لا نترك الجماهير فريسة للآراء الشاذة، والمعلومات المنقوصة والمغلوطة.
وأوصى المشاركون في الملتقى بضرورة توجيه عناية مراكز التدريب في المؤسسات الدينية والإفتائية إلى بذل مزيد من الجهد بعقد دورات تدريبية بصفة دورية لتأهيل كل من يتصدى للفتوى في مجال الاقتصاد والاستثمار، بالإضافة إلى التواصل الديني الفعال بين المؤسسات الدينية والإفتائية والمجامع الفقهية في الدول الإسلامية والمراكز الإسلامية في الدول الغربية، والتنسيق معها لمشاركتها في الاجتهاد الفقهي المتعلق بالفتاوى الاقتصادية لأهل هذه البلدان ذات الطبيعة الخاصة، ومدهم بكل ما يحتاجون إليه من كوادر علمية متخصصة ومؤهلة للنظر في نوازلهم المعاصرة.
وأشاروا إلى أهمية قيام المؤسسات الإعلامية بدورها الفاعل في دعم الفتوى الإلكترونية فيما يتعلق بالفتاوى الاقتصادية؛ من خلال نشر الردود العلمية التي تقوم بها المؤسسات الدينية والإفتائية الوسطية على الفتاوى الاقتصادية المغلوطة الصادرة عن التنظيمات المعادية للاستقرار المجتمعي، وبيان أوجه العوار بها، وتقديمها للمجتمع لمواجهة محاولات التلاعب الفكري الذي قد يتعرض له غير المتخصصين جراء نشر مثل هذه الأفكار المشوهة.
أ ش أ