عادةً ما يعني ارتفاع عدد سكان الهند والتحضر السريع أن البلاد بحاجة إلى تحسين بنيتها التحتية بشكل جذري لمعالجة أوجه القصور المؤسفة في قطاعات الاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل والطاقة.
حتى الآن، أخذت الحكومة زمام المبادرة في تلبية هذه الاحتياجات، حيث تعد ميزانية الإنفاق الرأسمالي في العام المالي الحالي أعلى بنسبة 35.4% عن العام الماضي.
وهذا التعزيز يعد جزءا من خطة رئيسية مدتها 25 عاماً لتطوير البنية التحتية مقابل 1.3 تريليون دولار، والتي أطلقت في عام 2021، لكن التمويل الحكومي للاستثمار غير كافٍ لتلبية الحجم الكامل لاحتياجات الهند، كما أنه يشوه التدفقات المالية داخل البلاد، حسبما ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
وحتى تضع الاستثمار على أسس أكثر ثباتاً، تحتاج نيودلهي إلى تقليل العقبات التي يواجهها المستثمرين الأجانب وجعل الهند وجهة أكثر جاذبية لأموالهم، وهذا من شأنه أن يمكن البلاد من جذب المزيد من الاستثمار الصناعي، بالتالي المساعدة على امتصاص فائض العمالة الهندي الذي ما يزال ينمو.
تؤكد توقعات الأمم المتحدة أن الهند مستعدة بالفعل لتصبح أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان العام المقبل، حيث يسير سكان البلاد على الطريق الصحيح للوصول إلى 1.61 مليار بحلول عام 2040، مع ارتفاع عدد من هم في سن العمل من 950 مليون إلى 1.1 مليار.
جدير بالذكر أن النمو في الطلب من الكثافة السكانية المتضخمة يعني أن الهند بحاجة إلى الاستثمار لتوسيع إمدادات الضروريات بما في ذلك الغذاء والمأوى والبنية التحتية.
ولا شك أن الزيادات الأخيرة ستساعد في الإنفاق على البنية التحتية الحكومية، حيث يُعادل الإنفاق الرأسمالي لهذا العام 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو تحسن كبير مقارنة بمتوسط 1.9% خلال الخمسة أعوام الماضية، لكن النفقات الجارية للحكومة ارتفعت بشكل أسرع، ما أدى إلى وصول الإنفاق العام الإجمالي إلى 16% من الناتج المحلي الإجمالي.
في غضون ذلك، نمت الإيرادات الحكومية لتصل إلى 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ارتفاع من 10% قبل عقد بفضل ضريبة السلع والخدمات الوطنية التي تم إدخالها في عام 2017، لكن الفجوة المتسعة بين الإيرادات والإنفاق تعني أن نيودلهي تعمل على التخلص من المزيد من السيولة من النظام المصرفي الهندي.
مع ارتفاع أسعار الفائدة، بسبب الضغوط التضخمية أيضاً، أصبحت الشركات الهندية أقل قدرة على الاقتراض واستثمار نفسها، خاصة خارج قطاعات الطاقة والمواد المفضلة.
هذا التشويه يحد من قدرة الهند على تحقيق عائدها الديموغرافي حيث يؤدي الإنفاق الرأسمالي الضعيف للقطاع الخاص إلى نمو أقل في الوظائف والأجور، مما يضعف بدوره استهلاك الأسر.
وأوضحت المجلة اليابانية أن الجواب، بالنسبة لكل من الشركات الهندية واحتياجاتها من البنية التحتية، هو جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي.
يمتلك الأجانب 2% فقط من سندات الحكومة الهندية، وهي نسبة أقل بكثير من الحد الأقصى البالغ 6% الذي تسمح به اللوائح، ويرجع ذلك جزئياً إلى التدفقات الخارجة الناتجة عن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية.
في الواقع، بالرغم من ذلك، يرغب مستثمرو السندات الأجانب في المزيد من الاستكشاف على الهند ويرغبون في إدراجها في مؤشرات السندات العالمية الرئيسية.
جدير بالذكر أن استبعاد روسيا من المؤشرات الرئيسية بسبب غزوها لأوكرانيا زاد من فرصة الهند، لكن نيودلهي لم تحل بعد شكاوى المستثمرين بشأن قواعد التسوية والتحويلات والسياسات الضريبية.
تحرز نيودلهي تقدماً في جذب المزيد من الاستثمار المباشر، وذلك بفضل جهودها الخاصة والعطش العالمي للتنويع والأصول الهندية، ويرجع ذلك جزئياً إلى التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين.
لقد ساعد التحرير الأخير للقطاعات الرئيسية وكذلك تبسيط البيروقراطية على أن تؤتي ثمارها من حيث زيادة تدفقات الاستثمار.
تضمنت الخطوات الرئيسية تخفيض معدل الضريبة على الشركات للمصنعين إلى 15% من 25% وزيادة المرونة للشركات لتعديل قوتها العاملة، في حين أن الشركات التي تضم ما لا يقل عن 100 موظف في السابق كانت بحاجة إلى موافقة حكومية لتسريح العمال، لكن القاعدة تنطبق الآن فقط على الشركات التي لديها 300 موظف على الأقل.
ثمة خطوات كثيرة يمكن اتخاذها للحفاظ على التقدم الإيجابي، فإذا استمرت الهند في الاستفادة من الرياح الخلفية الجيوسياسية وزخم الإصلاح للاستفادة من ميزتها الديموغرافية، فيمكن أن يرتفع الاستثمار الأجنبي المباشر من 1.3% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الخمسة أعوام المقبلة.
هذا الأمر سيوفر التمويل الذي تشتد الحاجة إليه والذي تحتاجه الهند لاستيعاب العمالة الزائدة، ومع انخفاض حصة الصادرات الصناعية العالمية مقارنة بفيتنام، فإن مجال الهند للنمو واسع إلى حد ما.
وعلاوة على ذلك، فقط مع زيادة المحفظة والاستثمار المباشر يمكن أن يكون لدى الهند ما يكفي من رأس المال لتمويل أهدافها التنموية الطموحة.