سرعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن العام الماضي من مبادراتها تجاه أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا، إذ وعد في قمة خاصة استضافتها واشنطن مايو الماضي بـ”عصر جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة والآسيان” والتزم بتمويل برامج في جنوب شرق آسيا بـ150 مليون دولار إضافية.
وفي قمتهم الثنائية السنوية في العاصمة بنوم بنه في نوفمبر، وافق بايدن ونظرائه في الآسيان على إقامة شراكة استراتيجية شاملة.
هذه الشراكة ستعمل على إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون وتوسيعه في مجالات الصحة والنقل والبيئة والطاقة والعديد من المجالات الأخرى.
كما سيعزز التواصل في مجالات الاتصالات والبنية التحتية والتقدم نحو أهداف التنمية المستدامة، وهذا سيشمل إنشاء أنظمة بيئية متكاملة لإنتاج السيارات الكهربائية ودعم جهود الاستجابة للأوبئة وتدابير التخفيف من تغير المناخ والفقر.
ترتبط كل هذه الجهود بخطة الولايات المتحدة للترويج لسياسة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة في الآسيان، حسبما ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
ورغم النوايا الحسنة الأمريكية، فإن هذه المبادرات محكوم عليها بالفشل لأنها لا تفعل شيئاً يذكر لاستهداف الحاجة الأكثر إلحاحاً لغالبية مواطني الآسيان، ألا وهي التنمية الاقتصادية.
في وقت تتسم فيه المبادرات العسكرية والأمنية الأمريكية في آسيان بالقوة، هناك حاجة إلى تعزيز الروافع الاقتصادية والاجتماعية بشكل صريح نحو جنوب شرق آسيا وذلك من خلال تمويل البنية التحتية والاستثمارات الاستراتيجية المستهدفة والصلات المجتمعية المباشرة.
تستهدف المساعدة الإنمائية الخارجية الأمريكية بطبيعتها البنية التحتية غير المادية مثل التنمية والصحة ومساعدة مكافحة الفساد.
في حين أن هذه البرامج تساعد مواطني الآسيان على المدى القصير ويمكنها تجاوز الجمود الحكومي، فإن مثل هذه المساعدة لا تفعل الكثير لتحفيز التنمية الاقتصادية على المدى الطويل.
تتضمن الشراكة الاستراتيجية الجديدة التزاماً بمبلغ 7 ملايين دولار إضافية للمساعدة في تمويل البنية التحتية المستدامة بقيمة 7 مليارات دولار حول جنوب شرق آسيا.
ومع ذلك، فإن هذه المبالغ بسيطة مقارنة بتمويل التنمية الصيني والذي يقدر أنه وصل إلى ما لا يقل عن 100 مليار دولار في جنوب شرق آسيا بين عامي 2005 و 2022.
وبالرغم أن اليابان ما تزال تتصدر الصين كأكبر مزود لتمويل البنية التحتية في جنوب شرق آسيا، كما يقدم البنك الدولي وبنوك التنمية المتعددة الأطراف الأخرى الدعم، يجب على الولايات المتحدة أن تواصل لعبتها عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية.
تعتبر مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية المؤسسة المسؤولة عن تمويل التنمية ولديها أيضاً مهمة دعم الأعمال الأمريكية في الخارج، لكنها تعاني من نقص كبير في التمويل، حيث تتلقى 7.91 مليار دولار فقط في الميزانية الأمريكية الحالية مقابل 1.6 تريليون دولار لوزارة الدفاع.
لكن دعم تمويل شركات البنية التحتية الأمريكية يجب أن يكون مكسباً للديمقراطيين أو للجمهوريين.
ويمكن أن تساعد مساعدة الأعمال التجارية الأمريكية في هذه الحالة دول الآسيان في متابعة التنمية الاقتصادية وكسب جماهيرها.
يمكن أن يدعم مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية أيضاً الاستثمارات المستهدفة والموجهة نحو التنمية في الآسيان.
كما أن الاستثمار الأمريكي المباشر في المنطقة يفوق بكثير الاستثمار الصيني، فاعتباراً من عام 2020، بلغ المخزون التراكمي للاستثمار الأمريكي في الآسيان 328.5 مليار دولار وخُصصت 34 مليار دولار أخرى خلال عام 2021.
طبيعة هذا الاستثمار تختلف في جميع أنحاء المنطقة لكنه يشمل استثمار الشركات الأمريكية في المصانع لإنتاج الإلكترونيات والمواد الكيميائية ومعدات النقل وكذلك في الخدمات والتعدين وتجهيز الأغذية.
يمكن استخدام مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية لدعم الاستثمارات الأمريكية الأكبر في القطاعات الحيوية مثل الاتصالات أو الخطوط الجوية أو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
كما يمكن أن توفر مثل هذه الاستثمارات المستهدفة تدريباً طويل الأجل لجنوب شرق آسيا لاكتساب مهارات تنافسية وتعزيز نقل التكنولوجيا إلى الشركات المحلية.
كانت الشركات الصينية أكثر إدراكاً لاستهداف نقل المهارات والتكنولوجيا، كما أنها أقامت شراكة مع الحكومة الإندونيسية لإجراء انصهار محلي بينهما.
يجب على الولايات المتحدة أيضاً التفكير في توسيع شبكة قنصلياتها في جنوب شرق آسيا، فقد أنشأت الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة مكاتب إقليمية حول أراضي الحلفاء الرئيسيين.
غالباً ما استخدمت هذه المكاتب من قبل وكالة المخابرات المركزية ومسؤولين أمنيين آخرين لجمع المعلومات وإجراء العمليات، كما يمكن استخدام مثل هذه المكاتب لإطلاق مشاريع كسب الرزق والبعثات الطبية وتبادل الصداقة لمواكبة اندفاع الصين إلى المقاطعات.
هذا يمكن أن يساعد في ملء فراغ مهم، فقد كانت الولايات المتحدة بعيدة عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية في جنوب شرق آسيا.