بدأ التضخم يهدأ أخيرًا، لكن شبح التضخم المرتفع للغاية يستمر في مطاردة مديري الصناديق.
وبدأت الاحتمالية الحقيقية بأن ذروة التضخم العالمي ربما أصبحت وراءنا تظهر في الولايات المتحدة الشهر الماضي، عندما أظهرت البيانات أن المعدل السنوي للتضخم انخفض إلى 7.1% في نوفمبر، من 7.7% في الشهر السابق وحتى أقل قليلا من التوقعات.
من المؤكد أنك قبل ثلاثة أعوام، مثلا، كنت ستضحك على الاقتراح القائل إن معدل التضخم 7% مفيد للأصول الخطرة، لكن “شخصيتك القديمة” آنذلك لم تكن مرت بعام 2022 الصعب، وهو العام الذي يحرص مديرو الصناديق من جميع الفئات تقريبا على نسيانه.
هذه القراءة كانت أبطأ معدل تضخم خلال عام وأوضحت أن وتيرة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية قد تراجعت لشهرين على التوالي.
مكنت المستثمرين من أن يجرؤوا على الأمل في نهاية الكابوس الطويل المتمثل في ارتفاع معدلات التضخم إلى ما لا نهاية، وأن ينتهي تشدد الاحتياطي الفيدرالي إلى ما لا نهاية.
في يناير، أشارت البيانات الصادرة عن منطقة اليورو إلى أن أرقام التضخم في الولايات المتحدة كانت حقيقية، عندما انخفض معدل ديسمبر أيضا إلى أرقام أحادية الخانة.
يعبر المتداولون المتشائمون، الذين جعلهم 2022 القاسي يتواضعون، وهو العام الذي تميز بمزيج قاتل من انخفاض الأسهم والسندات، يعبرون عن شكوك مزعجة، عندما تسأل عما ستؤول إليه الأمور في نهاية هذا العام؟
يقول أندرو ليك، رئيس قسم الدخل الثابت في “ميرابود” لإدارة الأصول، بتنهد خفيف :”بصراحة، لا أعرف. ليس لدي أي فكرة”.
أحد العوامل التي تحول دون الحماس، هو أن تراجع التضخم كان متأصلا بالفعل في الأسواق.
قام المستثمرون بما يفترض عليهم القيام به وتوقعوا التحول الكبير التالي في البيئة الكلية العالمية.
ارتفعت الأسهم العالمية، وفقا لمؤشر إم إس سي آي العالمي، نحو 20% من أدنى نقطة له في أكتوبر في منتصف ديسمبر الماضي، رغم عدم وجود أي علامات جيدة حقيقية فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي أو التوترات الجيوسياسية.
يقول ليك “إن هذا الانتعاش أخذ كثيرا من العوائد من 2023”.
الخوف الكبير حقا بالنسبة إلى ليك، وإلى كثير من مديري الصناديق الآخرين، هو أنه من المؤكد أن الاحتياطي الفيدرالي سيتوقف عن رفع الفائدة مؤقتا قريبا جدا.
لقد خفض بالفعل حجم زيادته لسعر الفائدة إلى نصف نقطة، ما يمثل فترة استراحة من زيادات بمقدار ثلاثة أرباع نقطة التي رأيناها عدة مرات خلال 2022.
في بداية العام الجديد، من المرجح أن يجتمع مرة أخرى ويرى كيف أن هذه الوتيرة السريعة من التشديد ترتشح عبر الاقتصاد.
لكن هل يمكننا التأكد من أن الحركة التالية ستكون نحو الانخفاض؟ ماذا لو لم تكن الاستراحة المؤقتة إلى حد كبير مركزية.. بل استقرار نسبي، استراحة قصيرة لإعادة التعبئة والبدء من جديد؟ بعد كل شيء، اتضح أنه لا يوجد أحد في دوائر صنع السياسات أو الاستثمارات يفهم التضخم حقا كما كانوا يعتقدون.
يقول ليك “إذا لم ينخفض التضخم ولم ترتفع البطالة، فسيرفعون أسعار الفائدة مرة أخرى بكل أريحية”.
هذا الاعتقاد هو الذي يقض مضاجع المستثمرين.
في أعماقهم، يريدون العودة إلى الأيام الخوالي للتضخم المنخفض، وأسعار الفائدة المنخفضة، ومحافظي البنوك المركزية الذين يرون ميزة في دعم الظروف المالية التي تبدو عالية الدقة والوضوح التي من أجلها يرون أن أسعار الأصول مزدهرة.
لكن محافظي البنوك المركزية يريدون العودة إلى نوع مختلف من الأيام الخوالي عندما كان التضخم مروضا.
إذا استمروا في التمسك برأيهم في هذه المهمة وزادوا معدل الارتفاع مرة أخرى، فإن بعض السمات الأسوأ للمحافظ في 2022 يمكن أن تعيد تأكيد نفسها في 2023.
يقول فلافيو كاربينزانو، مدير استثمارات الدخل الثابت في “كابيتال جروب”.”أسوأ سيناريو للعام المقبل هو إذا أصبح الاحتياطي الفيدرالي في عهد باول مثل الاحتياطي الفيدرالي في عهد فولكر، أكثر تشددا”.
لن يقتصر الأمر على استمرار خنق الأصول عالية المخاطر مثل أسهم التكنولوجيا التي تزدهر عندما تكون الأموال رخيصة وتكون الأرباح مصدر قلق لوقت آخر، لكن من المحتمل أيضًا أن يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى الركود.
يقول أندرو بيز، رئيس استراتيجية الاستثمارات في شركة راسل إنفستمنتس “إن أكثر ما يثير قلقي هو أن يكون على الاحتياطي الفيدرالي البدء من جديد… من السهل أن نتخيل توقف الاحتياطي الفيدرالي مؤقتا، وارتفاع الأسواق، وانتعاش الاقتصاد، تليه عودة في التضخم الذي يحرص صناع السياسة بشدة على كبحه. ثم يبدأ الألم من جديد”، ويضيف “ما يثير قلقي ليس أننا نشهد ركودا كبيرا، بل أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في التشديد مرة أخرى في نهاية 2023”.
ويقول “إن الركود الخفيف قد يكون في الواقع أفضل نتيجة للمستثمرين، خفيف بما يكفي لعدم إحداث كثير من الألم لكنه سيئ بما يكفي لإبقاء نقطة نهاية الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة القياسية أقل من 6%.
خلاف ذلك، سيستمر فيلم الرعب الذي شهدناه في 2022″، ويضيف بيز “إن العام الماضي كان ينظر إليه على أنه عام إعادة الضبط. ماذا لو لم يكن كذلك؟”.