عمليات السحب المصرفية الأخيرة أثارت فزع المودعين
عادةً لا يشكك المواطنون فى فكرة ادخار أموالهم فى البنك، بل يثقون أيضاً أنها فى أمان، لكن أزمة تأتى بين الحين والآخر لتثير حالة من الفزع، وتهز هذا الإيمان، وقد كان انهيار ثلاثة بنوك متوسطة الحجم فى الولايات المتحدة، خلال الشهر الماضى، إحدى هذه اللحظات.
حوَّل المدخرون أموالهم إلى بنوك أكبر، فيما سارعت الحكومة لطمأنتهم، لكن معظم المواطنين ليس لديهم ما يخشونه، فطالما أن حساباتهم لديها تأمين على الودائع، فإنَّ أموالهم مضمونة حتى لو انهار مصرفهم.
مع ذلك، هناك 40% تقريباً من الودائع، من حيث القيمة، تفتقر إلى هذا التأمين؛ نظراً إلى تجاوزها حاجز الـ250 ألف دولار التى تضمنها الحكومة، بحسب مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية.
ويقول بعض المراقبين، إنَّ على الحكومة رفع هذا الحد الأقصى أو حتى توسيع التأمين ليشمل جميع الحسابات الجارية، وحسابات الادخار الأمريكية.
كيف يعمل التأمين على الودائع وهل يجب تعزيز نطاقه؟
فى القرن التاسع عشر، كانت إخفاقات البنوك سمة معتادة للمشهد الاقتصادى الأمريكى، وعندما بدا أن أحد البنوك فى ورطة، كان سحب النقود الخطوة العقلانية للعملاء.
وأصبح فشل البنوك نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها؛ نظراً إلى عدم قدرة أى مؤسسة على النجاة من سيول عمليات السحب.
وأخيراً، خلال فترة الكساد الكبير، أنشأ الكونجرس الأمريكى المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، التى غطت ودائع تصل قيمتها إلى 2500 دولار.
وظهرت النتائج بشكل فورى، ففى عام 1934، عند بدء سريان التأمين، فشلت تسعة بنوك فقط، مقابل انهيار 9 آلاف بنك تقريباً فى الأربعة أعوام الماضية.
وارتفع سقف التغطية التأمينية بشكل مطرد، إذ رفع الكونجرس الحد الأقصى من 100 ألف دولار إلى 250 ألف دولار خلال الأزمة المالية العالمية فى 2008، وهى القيمة التى تظل عليها حتى الآن.
وهذا يكفى للغالبية العظمى من الأمريكيين، لكن بعض حسابات الأنشطة التجارية تتجاوز هذا الحد لإتمام بعض الأمور، مثل تسديد مدفوعات الأجور الشهرية.
وكذلك الأمر بالنسبة لبعض الأفراد، فمثلهم مثل المدخرين فى ثلاثينيات القرن الماضى، لديهم الدافع لتحويل الأموال إلى مكان آخر إذا بدا أى اضطراب فى مصرفهم.
ويتمثل أحد الحلول فى رفع سقف التأمين أكثر، أو ربما إلغائه، وهذا ما فعلته دول أخرى بشكل مؤقت، بما فيها أيرلندا خلال الأزمة المالية العالمية، لكن الزيادة الدائمة ستتطلب من البنوك دفع المزيد فى صندوق التأمين الذى تديره المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع.
ويمتلك الصندوق حالياً حوالى 130 مليار دولار، وهو ما يكفى لتغطية 0.7% فقط من إجمالى الودائع المصرفية فى الولايات المتحدة.
عملياً، عندما ينهار بنك ما، تتولى المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع السيطرة عليه ويمكنها استرداد القيمة من أصوله، لكن حتى مع ذلك، فإنَّ التغطية الشاملة ستكون مكلفة للغاية، وربما تتطلب تمويلاً إضافياً من الخزانة الأمريكية.
فى الوقت نفسه، يخشى المنتقدون أيضاً من أن يؤدى التأمين غير المحدود إلى تقويض الانضباط المالى؛ نظراً إلى احتمالية مخاطرة البنوك بشكل أكثر وسط إدراكها أن عملاءها لن يفروا.
وكان المشرعون الجمهوريون قلقين بشكل خاص بشأن هذا الخطر «الأخلاقى»، كما يرى أنصار التأمين غير المحدود أنَّ المشكلة يمكن أن يكون مبالغاً فيها، ويمكن أن تقترن التغطية الشاملة بقواعد أكثر صرامة حول كيفية عمل البنوك.
علاوة على ذلك، ستظل البنوك تعانى انهياراً إذا اتخذت قرارات تجارية فاسدة، وفى مثل هذه الحالات سيتم القضاء على مساهميهم، حتى لو تمت حماية المودعين لديهم.
ومع ذلك، نفذ المسئولون الأمريكيون فى الأسابيع القليلة الماضية توسعاً فعلياً فى التأمين على الودائع، إذ يمكن لوزارة الخزانة، بدعم من المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع وبنك الاحتياطى الفيدرالى، ضمان جميع الودائع، وذلك من خلال إعلان «استثناء المخاطر النظامية» للبنك المتعثر.
هذا ما فعلته وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين تماماً بالنسبة لبنكى «وادى السيليكون» و«سيجنتشر»، وهما اثنان من أولئك الذين تضرروا من العمليات الأخيرة، كما اقترحت إمكانية اعتماد المودعين فى أى بنك متوسط الحجم متعثر آخر على دعم مماثل.
لكنها قالت أيضاً إن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن لا تسعى إلى زيادة رسمية فى التغطية التأمينية.
جدير بالذكر، أن المعركة السياسية المؤلمة مع عدم ضمان النصر، قد تخاطر بتقويض الثقة فى النظام المصرفى وبأن التأمين على الودائع مصمم خصيصاً لدعمه.
إذاً هل أموالك آمنة فى البنوك الأمريكية؟
هذا الأمر يكاد يكون مؤكداً، لكن سيكون من الأفضل بكثير تجنب الذعر الجماعى الذى يختبر قدرة الحكومة على طمأنة الجميع.







