رفع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، علم بلاده في أفريقيا خلال الآونة الأخيرة، سعيا إلى تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع دول القارة .
بدأ مودي حديثه في قمة مجموعة العشرين بنيودلهي، في سبتمبر الماضي ، معلنا أن الاتحاد الأفريقي سيصبح عضواً دائماً في المجموعة، وهو ما من شأنه أن يعزز صوت الجنوب العالمي.
وجاءت هذه الخطوة في أعقاب القرار الذي اتخذته الهند والأعضاء الأربعة الحاليون الآخرون في مجموعة بريكس، في الشهر السابق للقمة، بقبول مصر وإثيوبيا، بجانب أربع دول أخرى، في صفوفها.
توضح هذه الأمثلة كيف تلعب الهند دورًا نشطًا بشكل متزايد في الدبلوماسية الدولية نيابة عن أفريقيا والجنوب العالمي، حسب ما نقلته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
وفي الوقت نفسه، توضح علاقات نيودلهي التجارية والاستثمارية المتنامية مع أفريقيا كيف أن توجيه الأموال نحو الجنوب العالمي لا يمكن أن يجني فوائد مالية فحسب، بل يدفع أيضًا إلى إحداث تغيير منهجي حقيقي في القضايا البيئية والحوكمة والاجتماعية.
تعود العلاقات التجارية بين الهند وأفريقيا إلى قرون مضت، عندما كان التجار الهنود يسافرون إلى الساحل الشرقي للقارة بحثًا عن المعادن الثمينة والأحجار الكريمة.
وفي هذه الأيام، تشكل الهند محركاً رئيسياً وراء الاعتراف العالمي المتزايد بالأهمية الاستراتيجية لأفريقيا.
ويستخدم مودي، على وجه الخصوص، المنصة التي يوفرها منصبه لتعزيز فهم أفضل لفرص الاستثمار التي توفرها أفريقيا للمستثمرين الأجانب.
يوجد في أفريقيا عدد كبير من السكان في سن العمل، وطبقة متوسطة متنامية، وثروة من المواد الخام بما في ذلك الذهب والماس والبترول والمعادن.
وفي ظل اكتساب السباق لتأمين المعادن من أجل التحول إلى الطاقة الخضراء، زخمًا، فإن الأهمية الاستراتيجية لأفريقيا بالنسبة للاقتصاد العالمي تجري إعادة تعريفها بسرعة، مع المبادرات المتزايدة القادمة من الولايات المتحدة وأوروبا والصين، فضلاً عن الهند.
من جانبها، تعمل الهند على تصدير الأغذية والمشروبات والمنتجات البترولية والأدوية والآلات والمركبات إلى أفريقيا.
وفي الواقع، أصبحت الهند أكبر مورد لسيارات الركوب إلى جنوب أفريقيا، إذ تقوم شركات صناعة السيارات في كوريا الجنوبية واليابان بتجميع المركبات في الهند لتصديرها بعد ذلك.
ومن المرجح تعزيز هذا النموذج ليشمل دولاً أفريقية أخرى حيث تسعى الطبقات الوسطى إلى الحصول على وسائل نقل ميسورة التكلفة لعائلاتها.
أصبحت الهند أيضًا واحدة من أكبر خمسة مستثمرين في أفريقيا على مدى العقد الماضي، حيث تدفقت حوالي 74 مليار دولار إلى القارة السمراء، جذبتها الإمدادات الغنية من البترول الخام والحبوب والمكسرات.
ولا يزال هناك العديد من المجالات المحتملة لتحقيق مزيد من التعاون والابتكار في أفريقيا والهند، خصوصا في مجال الزراعة، حيث يجري تحول هائل.
تمثل الزراعة حوالي 57% من فرص العمل في القارة الأفريقية، كما تعمل الشركات الناشئة الجديدة والشركات الراسخة على حد سواء على إحداث تغيير جذري في السوق من خلال تقديم حلول مبتكرة تعالج التحديات عبر سلسلة القيمة الزراعية، بدءًا من إنشاء لوحات معلومات لربط المزارعين المحتاجين إلى التمويل مع المستثمرين المحتملين إلى رقمنة المستندات التجارية من أجل تقليل أعباء الأعمال الورقية على المزارعين.
ثمة مجال واسع للهند للمساهمة في تحديث البنية التحتية الزراعية في أفريقيا، وزيادة كفاءة سلسلة التوريد الزراعية وتحسين الإنتاجية.
يمكن أن تعمل الهند وأفريقيا سوياً على تعزيز علاقاتهما التجارية الزراعية من خلال توجيه الأموال إلى التكنولوجيا الزراعية، وهو ما من شأنه أن يعزز الأمن الغذائي العالمي، كما يمكن أن يكون لدى الهند فرصة لدفع الممارسات الزراعية المستدامة في أفريقيا وذلك من خلال استثماراتها.
انتشرت المخاوف بشأن تغير المناخ إلى ما هو أبعد من الزراعة، فقد أصبح التحول إلى الطاقة النظيفة في أفريقيا الآن مركزاً للاهتمام، حيث أصبحت الطاقة المتجددة محوراً ناشئاً للتجارة بين الهند وأفريقيا.
وتستثمر الهند بالفعل بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة، وهي ثالث أكبر منتج للطاقة المتجددة على مستوى العالم.
في الوقت نفسه، يمكن للمستثمرين الهنود دعم التحول نحو الطاقة المتجددة في أفريقيا من خلال تمويل مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية في جميع أنحاء القارة.
ومن خلال الاستفادة من علاقاتها التجارية الطويلة الأمد، تستطيع الهند أن تساعد في دفع التغيير المنهجي الحقيقي والمساهمة في تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية العالمية.
وقد أبدت الهند ودول آسيوية أخرى ، بالفعل اهتمامًا باستخدام تكنولوجياتها ومهاراتها وقدراتها للمشاركة بنشاط في تحول الطاقة الخضراء في أفريقيا من خلال تقديم العطاءات لعقود هندسة وبناء وإدارة مشاريع الطاقة المتجددة.
وفي ظل استمرار تحول النظام العالمي، يجب على المستثمرين والشركات التوجه نحو الجنوب العالمي إذا كانوا يريدون استباق المنحنى ودعم النمو الدولي.
استطاعت الهند وأفريقيا بناء أساس لعلاقة تجارية قوية وطويلة الأمد، وقد حان الوقت لتوجيه الاستثمارات بطريقة استراتيجية لتعزيز التعاون والابتكار والنمو المشترك بين الهند وأفريقيا.