يبيع المستثمرون الدولار الأمريكي بأسرع معدل له خلال عام، وسط تعزيز رهاناتهم على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد أنهى حملته التشديدية لرفع أسعار الفائدة وأنه سيجري تخفيضات متعددة العام المقبل.
هذا الأمر تسبب في تسجيل الدولار أسوأ أداء شهري له منذ عام، إذ حذر محللون من أن مبيعات مديري الأصول يمكن أن تكون مجرد بداية لاتجاه طويل الأجل بين المستثمرين لتقليل التعرض للأصول الأمريكية.
قال رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي لدى “ستيت ستريت”، مايكل ميتكالف، إن “تدفقات الأسبوعين الماضيين توضح إعادة التفكير السريعة في الطلب على الدولار”، مضيفًا أن المبيعات الأخيرة توضح أن المستثمرين أصبحوا يقللوا من تعرضهم للدولار الأمريكي.
وأوضح أن “المستثمرين يعتقدون أنه إذا خُفضت أسعار الفائدة بالفعل، فلن يحتاجوا إلى الاحتفاظ بهذا القدر من الدولارات”.
يشير بنك “ستيت ستريت” إلى أنه لم يكن هناك سوى 6 عمليات بيع سريعة من هذا القبيل لحيازات الدولار خلال العقدين الماضيين، آخرها كان في نوفمبر الماضي، عندما استمر مؤشر الدولار في التراجع بنحو 10% بحلول نهاية يناير.
تمتعت العملة الأمريكية بموجة صعودية ضخمة خلال العام الماضي، مدفوعة بارتفاع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وكان مؤشر الدولار قد ارتفع بما يصل إلى 19% بحلول أواخر سبتمبر، محققًا أرباحًا كبيرة لصناديق التحوط الكلية ذات المراكز الصعودية، قبل أن يتراجع بشكل حاد خلال الربع الرابع.
وارتفع مؤشر الدولار بأكثر من 7% بين شهري يوليو وأكتوبر، إذ دفعت البيانات الاقتصادية القوية تكاليف الاقتراض الأمريكية القياسية إلى أعلى مستوياتها منذ 16 عامًا، وأقنعت المستثمرين بأن أسعار الفائدة ستبقى أعلى لفترة أطول.
لكن الواقع تغير مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة. فقد انخفض التضخم الأمريكي بأكثر من المتوقع في أكتوبر إلى 3.2%، ما دفع المستثمرين إلى تسعير أي احتمال لزيادات أكثر في أسعار الفائدة.
قال الخبير الاستراتيجي للصرف الأجنبي لدى بنك “بي إن وأي ميلون”، جيوف يو، الوصي على أصول بقيمة 46 تريليون دولار، إنه على مدار الـ20 يومًا المنتهية في 24 نوفمبر، باع عملاء الودائع لدى الشركة “الدولار بأسرع وتيرة خلال العام الحالي”، مع تفضيل شراء الين الياباني والدولار الكندي ومجموعة من عملات أمريكا اللاتينية.
لا شك أن وزارة المالية اليابانية سترحب بأنباء ضغوط البيع على الدولار الأمريكي، فقد كانت في حالة تأهب قصوى لتدخل محتمل في العملة ، إذ تم تداول الين بالقرب من أدنى مستوياته منذ 33 عامًا مقابل الدولار في بداية نوفمبر، ما زاد من الضغوط التضخمية عبر رفع تكلفة السلع المستوردة.
وبينما انخفض الين الياباني بنحو 12% مقابل الدولار هذا العام، فقد وفر نوفمبر بعض الراحة مع ارتفاع العملة نحو 1.5%.
ويتوقع يو، أن تستمر قوة الين، إذ من المتوقع على نطاق واسع أن يتخلى بنك اليابان عن سياسة سعر الفائدة السلبية في الأشهر المقبلة.
وأضاف: “ليست ثمة فائدة كبيرة من المراهنة على انخفاض أسعار الفائدة لأن كل اجتماع لسياسة بنك اليابان سيكون حدثًا مباشرًا مهمًا”.
كما يأتي ضعف الدولار كمصدر ارتياح للأسواق الناشئة، إذ يسهل عليها سداد القروض المقومة بالدولار وقد يبدأ في جذب المستثمرين للعودة إلى الاقتصادات النامية بعد المبيعات الكبيرة للديون المقومة بالعملة الأجنبية خلال العام الجاري.
قال رئيس قسم الأصول الكلية والأصول المتعددة لدى شركة “لومبارد أودييه إنفستمنت مانجرز”، فلوريان إلبو : “إننا نتخذ مركزًا ذا وزن زائد في أسهم الأسواق الناشئة والسلع”، مضيفًا أن بيئة الدولار الضعيفة تكشف بعض الحالة الصعودية القوية للأسهم الأمريكية.
وارتفع مؤشر “مورجان ستانلي” لأسهم الأسواق الناشئة بنسبة 3% حتى الآن هذا العام، وهو ما يقل كثيرا عن الارتفاع البالغ 19% تقريبًا لمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” الأمريكي للأسهم الممتازة.
يتوقع رئيس استراتيجيات الأصول المتعددة لدى “أموندي”، فرانشيسكو ساندريني، مع اقتراب بداية عام 2024، استمرار ضعف الدولار “جزئيًا لأننا نتوقع اضطرابات أقل بين الولايات المتحدة والصين”، الأمر الذي يعني أن المستثمرين أقل حاجة للدولار كملاذ آمن.
مع ذلك، أضاف أنه منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، “انهار شيء ما” في التناوب المعتاد بين الأسواق المتقدمة والناشئة، مشيرًا إلى أن تفضيل الأسهم في المكسيك والبرازيل يرجع جزئيًا إلى تصور مفاده أن هذه الدول في وضع سياسي جيد.
وتابع ساندريني: “نشهد اهتمامًا كبيرًا في الأسواق الناشئة، لكنني أعتقد أن هاتين القوتين، المتمثلتين في الدولار الضعيف والمخاوف الجيوسياسية، متعارضتان قليلا”.