أثناء قيام الرئيس الصينى شى جين بينج، بجولة فى مقاطعة هونان الأسبوع الماضى، استدعى المسئولين المحليين لإبلاغ زعيم البلاد بخططهم لتسريع تطوير «قوى إنتاجية جديدة عالية الجودة».
وفى أوائل 2024، أصبح هذا الشعار، المتجذر فى الفكر الماركسى منذ القرن التاسع عشر، اختصاراً لرؤية شى للنمو الاقتصادى الذى تدعمه الصناعات المتقدمة بشكل متزايد فى الصين.
واستُخدمت هذه العبارة 9 مرات فى مقال مؤلف من 6000 كلمة نشرته وكالة أنباء الصين «شينخوا» خلال مارس، وهو ما رفع أيضاً أهمية برنامج شى للإصلاح الاقتصادى إلى مستوى أهمية برنامج دنج شياو بينج، الذى يعتبره كثيرون مهندس الصين الحديثة.
كما أنها أُدرجت كأولوية اقتصادية قصوى للحكومة عام 2024 من جانب رئيس مجلس الدولة لى تشيانج، عندما أكد هدف النمو الاقتصادى الصينى البالغ نحو 5% مطلع مارس، حسب ما أوضحته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
تقول هى شوجينج، المحلل بمجموعة «بلينوم تشاينا» الاستشارية فى بكين، إن ظهور المصطلح يعد «إشارة واضحة إلى أن كبار قادة الصين يعتقدون أن البلاد بحاجة لدخول مرحلة جديدة من التحول الهيكلي».
ومع ذلك، فإن تحول شى جين بينج نحو التصنيع عالى التقنية، بدلاً من الاعتماد على الحوافز لتعزيز النمو الذى يقوده المستهلك، يخضع للتدقيق فى الداخل والخارج.
تباطأ النمو الاقتصادى للبلاد منذ الوباء، وكدس مواطنو البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة المدخرات بدلاً من الإنفاق، وتضاءل الاستثمار الأجنبى المباشر، كما أثار الطلب المحلى الضعيف مخاوف من أن ينتهى الأمر بالعديد من منتجات التكنولوجيا الفائقة التى يتبناها «شى» إلى طرحها فى أسواق التصدير.
يقول مايكل بيتيس، أستاذ المالية بجامعة بكين: «لكى ينجح هذا، يجب على الصين تعزيز حصتها فى التصنيع العالمي، ويجب أن يستوعب بقية العالم ذلك، لكن بقية العالم لن يفعل ذلك على الأرجح».
كما نالت إدارة شى، الثناء لأنها قررت أخيراً وقف تراكم الديون غير المستدامة التى تقدر بتريليونات الدولارات من جانب شركات التطوير العقارى فى الصين وأغلب حكومات المقاطعات.
لكن فشل إدارته فى إيجاد محركات جديدة للنمو الاقتصادى تركز على المستهلك، أثار مزيداً من الأسئلة الجوهرية بشأن الاتجاه الاقتصادى الذى اختاره أقوى زعيم فى البلاد منذ ماوتسى تونج.
يقول الاقتصاديون إن الحزب الشيوعى الصينى لم يسبق له فى حقبة ما بعد ماو، اتباع مسار نمو لا يُدرج فيه العقارات والبنية التحتية ضمن المحركات الرئيسة للاستثمار. كما لم يتمكن أى اقتصاد عالمى حديث كبير من تنظيم «هبوط سلس» بعد عقود من النمو المدفوع بالديون دون تقديم دعم كبير للأسر والمستهلكين.
ويقول الخبراء إن الصين تعتبر حالة شاذة عندما يتعلق الأمر بنسبة النمو الاقتصادى التى تستمدها من الاستثمار.
توضح بيانات البنك الدولى أن الاستثمار كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى ظل لعقود يدور حول 25%. فعادة تتراوح نسبته بين 30 و34% فى بلدان العالم النامى ذات معدلات الاستثمار المرتفعة، فيما ظلت النسبة أعلى من 40% لدى الصين طوال عقدين.
ووجه حوالى ثلثى هذا الاستثمار إلى العقارات والبنية التحتية، لكن رغم أنه يشكل جزءاً كبيراً من الاقتصاد الصينى، فإنه لم يعد من المتوقع أن يدعم النمو.
فى 2021، الذى يعتبر لحظة تاريخية الآن، فرضت بكين «خطوطها الحمراء الثلاثة» على قطاع العقارات، وأعلن شى أن الإسكان من أجل العيش، وليس للمضاربة.
وبعد مرور ثلاثة أعوام، تشير أدلة متزايدة إلى أن حكومات المقاطعات والحكومات المحلية، التى تنفق مبالغ غير مستدامة على البنية التحتية غير المنتجة، تُعامل بالطريقة نفسها.
فوفقاً لوثيقة اطلعت عليها «فاينانشيال تايمز»، منع مجلس الدولة الصينى 10 مقاطعات ومناطق مثقلة بالديون ومدينتين كبيرتين من بناء طرق سريعة ومبانى حكومية ومشاريع جديدة أخرى، كما شُجعت 19 منطقة أخرى على الإبلاغ عن مدنها الأكثر مديونية، حتى تتمكن الحكومة المركزية من تحديد خطط أكثر لخفض الديون.
وتقدر «بلومبرج» أنه اعتباراً من نهاية 2022، كان مطورو العقارات مدينين بـ17.8 تريليون رنمينبى (2.5 تريليون دولار)، فيما كانت أدوات التمويل الحكومية المحلية مدينة بـ94 تريليون رنمينبى، ويُتوقع أن يستغرق سداد هذا الدين أعواماً، إن لم يكن أطول.
يقول الاقتصاديون إن أحد أهم الأسئلة المطروحة بالنسبة للصين يتعلق بإلى أى مدى يمكن للتصنيع سد الفجوة الناتجة عن عدم تحديد أولويات قطاع العقارات والبنية التحتية.
تمثل المصانع فى الصين بالفعل نحو 28% من الناتج المحلى الإجمالى، مقارنة بمتوسط عالمى قدره 16%، وفقاً لبيانات البنك الدولي، وكان جزء كبير من إنتاجها تاريخياً عبارة عن صادرات منخفضة القيمة فى مجال الإلكترونيات والآلات.
لكن الصين أصبحت قادرة على المنافسة بشكل متزايد، وفى بعض الحالات مهيمنة، فى العديد من التقنيات المتقدمة، مثل توربينات الرياح ومواد البطاريات، كما أنها تحاول اللحاق بركب رقائق الكمبيوتر والذكاء الاصطناعى والسيارات الكهربائية وتستهدف الانخراط فى الاندماج النووى والحوسبة الكمية والهيدروجين والمركبات الفضائية والتصنيع الحيوى.
يقول الأكاديميان فى جامعة سوس بلندن، أوليفيا تشيونج والبروفيسور ستيف تسانج، فى كتابهما «الفكر السياسى لشى جين بينج»، إن «شى يسعى لتعزيز القوة الاقتصادية للصين عبر الابتكار بأى وسيلة ضرورية وتقليل تعرضها الاقتصادى للعقوبات الغربية المحتملة».
وعلى خلفية القلق الدولى المتزايد، يعتقد الخبراء أن استراتيجية التصنيع لن تحقق أهداف النمو فى بكين، إذ تشكل الصادرات بالفعل خمس الناتج المحلى الإجمالي، وتبلغ حصة الصين فى التصنيع العالمى 31%.