المؤشرات البديلة من استخدام الكهرباء إلى حركة الشحن..”قوية”
يتجدد التفاؤل بشأن الهند بين الحين والآخر، ففي 1996، بعد أعوام قليلة من انفتاح البلاد على رأس المال الأجنبي، ارتفعت أسعار العقارات في مومباي، مركز النشاط المالي للهند، إلى أعلى مستوياتها في أي مدينة عالمية، وفقًا لأحد الروايات.
وفي 2007، نما اقتصاد البلاد بمعدل سنوي 9%، مما دفع كثيرين للتكهن بأنه قد يصل إلى خانة من رقمين.
لكن الآمال سرعان ما كانت تتبدد بعد كل طفرة من هذه الطفرات. فقد مهدت الطفرة التي حدثت أواخر عقد 2000 الطريق أمام الاضطرابات المالية في عقد 2010.
واليوم تبدو الهند مرة أخرى وكأنها في بداية موجة صعود.
وخلال العام حتى الربع الرابع من 2023، ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 8.4%، لكن مثل هذه الأرقام عادةً ما تثير الشكوك.
ويناقش الاقتصاديون داخل الحكومة وخارجها مدى سرعة نمو الاقتصاد، وهو سؤال تتزايد أهميته خصوصا مع الانتخابات العامة التي بدأت في 19 أبريل الحالي.
إذن ما هو معدل النمو الفعلي في الهند؟ وهل الاقتصاد يتسارع؟
للإجابة على هذه الأسئلة، يجب البدء بنسبة 8.4%، وبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الفترة نفسها 10.1%، مما يعني أن التضخم كان 1.7% فقط.
ورغم أن هذا قد يبدو موضع شك، لأن أسعار المستهلك في الهند ارتفعت بنسبة 5.4% خلال العام، إلا أنه يمكن تفسير ذلك.
ورغم هذا، فإن النهج الذي تتبعه الهند لا يخلو من الغرابة.
ففي 2015، غيرت البلاد حساب الناتج المحلي الإجمالي الخاص بها، بدءًا من أرقام عام 2011، من حساب يقيس الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مباشرة عبر مراقبة التغيرات في كميات الإنتاج إلى حساب يقيس الناتج المحلي الإجمالي الاسمي من خلال الاستطلاعات والتقارير المالية، قبل انكماشها للحصول على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وهي عملية معقدة.
في 2017، لاحظ آرفيند سوبرامانيان، كبير المستشارين الاقتصاديين للهند آنذاك، أن أرقام الناتج المحلي الإجمالي للبلاد كانت لا تتماشى مع مؤشرات مثل الائتمان واستهلاك الكهرباء وحركة الشحن.
ثم في 2019، نشر سوبرامانيان، بحثًا يشير إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي للهند في الفترة 2011-2016 كان مبالغًا في تقديره ببضع نقاط مئوية سنويًا.
ومنذ ذلك الحين، ظلت الأرقام غارقة في الجدل، لأسباب ليس أقلها أن التغيير المنهجي جاء مصحوبًا بمراجعة للبيانات التاريخية التي أدت إلى خفض معدلات النمو التي حققتها الحكومة السابقة، حسب ما أوضحته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
يذكر أن قليلين من يشككون في وجود خطأ في حسابات الناتج المحلي الإجمالي في الهند.
يقول بروناب سين، كبير إحصائيين في الهند، إن النهج القديم كان يكافح من أجل التقاط التغيرات في جودة السلع، بدلاً من الكميات.
لكن الطريقة الجديدة لها عيوبها الخاصة، إذ يقول إنه “في السابق، كانت ثمة فرصة أكبر لقياس نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بدقة أكبر، واليوم نقيس الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بشكل أكثر دقة”.
ثمة خبر سار هو أنه منذ الجائحة، لم يعد التباين بين أسعار الجملة وأسعار المستهلك يبدو كبيرًا، فبدءًًا من ديسمبر 2011 وحتى 2019، نمت أسعار المستهلك بمعدل سنوي قدره 5.8% ونمت أسعار الجملة بمعدل سنوي قدره 2.6%.
ومع ذلك، في الأعوام الأربعة حتى ديسمبر 2023، نما كلا المقياسين بنحو 5.7%.
ولا يزال مؤشر أسعار المنتجين متقلبًا، ولهذا السبب ينبغي التعامل مع أرقام الناتج المحلي الإجمالي الفصلية، مثل معدل النمو الأخير البالغ 8.4%، بدرجة من الحذر.
هل تشير البيانات الحالية إلى طفرة؟
منذ ديسمبر 2019، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل سنوي متوسط قدره 4.2%، وهو ما يعني أن الهند، مثل العديد من البلدان الأخرى، لم تتعاف إلى اتجاه ما قبل الوباء.
ولا تزال استثمارات الشركات والاستثمارات الأجنبية ضعيفة، لكن بالنظر إلى الاقتصاد الهندي الإجمالي منذ ديسمبر2021، فإنه يبدو قويًا، إذ نما بنسبة 7.1% سنويًا.
كما أن المؤشرات البديلة، من استخدام الكهرباء إلى حركة الشحن، تعتبر قوية، فقد وصلت الدراسات الاستقصائية لمديري المشتريات لكل من التصنيع والخدمات إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد.
ويتوقع المتنبئون نموًا سنويًا قدره 6.5% خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
ورغم أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الفترة من 2011 إلى 2019 كان رسميًا أيضا عند 6.5% سنويًا، إلا أن المعدل الأساسي ربما كان أقل، مما يعني ضمنا أن التسارع الحقيقي قد يكون جاريًا.
فالبيانات صاخبة، والصورة مختلطة، ومع ذلك فإن معظم الاقتصاديين الحكوميين سيكونوا راضين عن هذه النتيجة.








