لم يتمكن شىء من إيقاف المستهلكين الأمريكيين، ففى البداية أنفقوا مدخراتهم التى جمعوها خلال جائحة “كورونا” على دراجات التمرين المنزلية، والآن هم أكثر عرضة لقضاء العطلات على الشواطئ.
ودُحضت توقعات رؤساء البنوك التى أطلقوها الصيف الماضى بأن الأسر ستتعرض لضغوط شديدة بسبب ارتفاع معدلات التضخم.
وبدلاً من ذلك، أدت نفقاتهم إلى رفع الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى إلى مستويات أعلى، بوتيرة تفوق نظيراتها من دول مجموعة السبع.
لكن هل تتحقق التوقعات فى النهاية؟
انخفض نمو الإنفاق الشهرى للمستهلكين من 0.7% فى مارس إلى 0.2% فقط فى أبريل 2024، وانكمش الإنفاق الإجمالى بالقيمة الحقيقية، كما تراجعت مبيعات التجزئة، حيث حذرت علامات تجارية متعددة من أن العملاء يتجهون نحو ادخار المزيد من الأموال.
وساعدت بيانات الإنفاق الأخيرة، التى صدرت فى 31 مايو، فى خفض توقعات بنك الاحتياطى الفيدرالى فى أتلانتا لنمو الناتج المحلى الإجمالى السنوى بنحو نقطة مئوية، مما أدى إلى تهاوى توقعات الربع الثانى من العام إلى 1.8%.
يظهر الألم بشكل أوضح فى بيانات بطاقات الائتمان، حسب ما أوضحته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
فوفقًا لبنك الاحتياطى الفيدرالى فى سان فرانسيسكو، استنفدت الأسر آخر مدخراتها التى جمعتها فى حقبة الوباء والتى بلغت 2.1 تريليون دولار فى مارس، ودفعت هذه النفقات المزيد والمزيد من الأشخاص للاعتماد على بطاقات الائتمان لتلبية نفقاتهم، وبعضهم الآن يكافح لسداد الديون.
ويقدر بول سيجفريد، من وكالة الائتمان “ترانس يونيون”، أن ما يصل إلى 440 ألف من حاملى بطاقات الائتمان خُفض تصنيفهم الائتمانى إلى وضع الائتمان المتدنى منذ أبريل من العام الماضى.
وأصبحت الحسابات متأخرة الدفع بوتيرة شوهدت آخر مرة فى عام 2011، فالأشخاص الذين حصلوا على قروض لشراء سيارات يتخلفون عن السداد بنفس الوتيرة تقريبًا، مما دفع البعض إلى بيع سياراتهم.
وتشير منصة المبيعات “كيلى بلو بوك” إلى أن قوائم السيارات المستعملة ارتفعت بنسبة 6% فى مايو مقارنة بالعام السابق.
تعتبر فلوريدا مركز المشكلة، إذ تعد الولاية موطن لكثير من العمال ذوى الدخل المنخفض ولديها أعلى معدلات التأخر فى السداد ضمن العينة التى قام بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك بتحليلها.
تقول إستر لوبيز، التى تعمل منذ 15 عامًا فى “أسى كاش إكسبريس”، وهى شركة لإقراض القروض اليومية فى ليتل هافانا بميامى، إن متجرها يقدم قروضًا أقل مما كان عليه قبل تفشى كوفيد، لكن فقط لأن العديد من المقرضين المتنافسين افتتحوا أبوابهم مؤخرًا تحسباً لزيادة الطلب.
كما تعتقد شركة “والت هاب” المتخصصة فى الشؤون المالية الشخصية، أن سكان المدينة سيستغرقون وقتًا أطول من أى مكان آخر فى البلاد لسداد ديون بطاقات الائتمان الخاصة بهم.
مع ذلك، لا يزال البعض متفائلاً بشأن البلاد ككل، إذ يرى إريك والرستاين، من شركة “ياردينى ريسيرش”، أن ارتفاع معدلات التأخر فى السداد يشكل عودة إلى الوضع الطبيعى، وليس نذيرًا بما هو أسوأ فى المستقبل.
ولا شك أن أسعار الفائدة المرتفعة تعنى أن الدائنين الفقراء هم أكثر عرضة للتخلف عن السداد، علمًا بأن سعر الفائدة القياسى لبنك الاحتياطى الفيدرالى الذى يتراوح من 5.25% إلى 5.5% يعد أكثر من ضعف ما كان عليه فى عام 2019.
ومع ذلك، فإن معدلات التأخر فى السداد أقل بكثير مما كانت عليه فى عام 2007، وهى المرة الأخيرة التى كانت فيها أسعار الفائدة مرتفعة إلى هذا الحد، وفى الواقع فى أى وقت بين عامى 1991 إلى 2011.
تشعر البنوك بالارتياح بشأن مستوى الضغط الحالى وترفع حدود الائتمان بشكل أسرع من قدرة العملاء على استخدام أرصدتهم.
ولايزال العديد من الأمريكيين يشعرون بالراحة الكبيرة، فكبار المنفقين ذوى الدخل المرتفع، وهو النوع الأكثر شيوعًا فى ساوث بيتش بميامى مقارنة بليتل هافانا، لا يواجهون مشكلة كبيرة فى سداد ديون بطاقات الائتمان.
وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة، فإن تكاليف خدمة الديون الإجمالية على المنازل تظل منخفضة، لأن العديد من حاملى الرهن العقارى يعتمدون على إصلاحات طويلة الأجل.
وبشكل عام، تمت إعادة تمويل ثُلث ديون الرهن العقارى فى الفترة 2020-2021، حيث استفاد المقترضون من أسعار الفائدة المنخفضة، مما يعنى أن الأسر تنفق نسبة أقل من الدخل على سداد الديون مقارنة بأى وقت فى عقد 2010.
أولئك الذين يمتلكون المنازل والأسهم يستمتعون أيضًا بارتفاع أسعار الأصول والدخل المرتبط بالإيجارات وتوزيعات الأرباح، فعلى سبيل المثال، ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” للشركات الأمريكية الكبرى بنسبة 11% هذا العام.
ما يهم بالنسبة للاقتصاد ككل هو عدد المستهلكين الذين ينتهى بهم الأمر إلى النضال من أجل تغطية نفقاتهم.
وكان ارتفاع الدخول، بجانب المدخرات الناجمة عن الجائحة، هو ما دفع بالفعل الإنفاق الهائل فى أمريكا.
ووسط انخفاض معدلات الادخار واستنفاد المدخرات الفائضة، فلابد من استمرارية تعزيز الإنفاق بدخول أعلى، علمًا بأن التوظيف لايزال قوياً ومطالبات البطالة الأولية ثابتة.
وعلى الرغم من تراجع نمو الأجور الاسمية الشهرية خلال أبريل، تشير الأرقام أيضًا إلى أن التضخم ربما استأنف هبوطه، وهو ما من شأنه أن يوفر دفعة للدخل الحقيقى، كذلك، ضعفت الميزانيات العمومية للأسر، لكن مع قليل من الحظ قد تستمر أمريكا فى تفادى الأزمة الاستهلاكية.