يواجه المصدرون فى كوريا الجنوبية فى قطاعات متعددة، بدءاً من الصلب والبتروكيماويات وصولاً إلى المنسوجات ومستحضرات التجميل، صعوبات فى منافسة التدفق الكبير للبضائع الصينية فى الأسواق العالمية، حيث تؤثر مشكلة الفائض فى الإنتاج والطلب المحلى الضعيف فى الصين على الأسواق الدولية.
حتى مصنّعو الكيمتشى فى كوريا الجنوبية، وهو منتج مخلل يعتبر رمزاً للهوية الوطنية، لم يسلموا من هذه المنافسة، فقد استوردت كوريا الجنوبية كميات من الكيمتشى فى النصف الأول من عام 2024، معظمها من الصين، أكثر مما صدرته، فالكيمتشى الصينى بات الأرخص بكثير ويشكل منافسة قوية، حيث يبلغ سعره سُدس تكلفة المنتج الكورى.
وتوقع الكثيرون أن كوريا الجنوبية ستستفيد من تصاعد التوترات التجارية بين الصين والغرب، حيث أدت الرسوم الجمركية الأمريكية والأوروبية والقيود المفروضة على الوصول إلى تقنيات الطاقة المتجددة إلى توجيه المشترين العالميين نحو الصناعات الكورية، مثل أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية.
وقد ارتفعت قيمة الصادرات الكورية كل شهر منذ أكتوبر من العام الماضى، حسب ما أوضحته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
لكن خبراء التجارة أشاروا إلى أن هذا النمو كان مدفوعاً بالطلب المتزايد على رقائق الذاكرة، وهى أهم صادرات كوريا الجنوبية، فى حين أن قطاعات أخرى تخسر حصصها السوقية لصالح المنافسين الصينيين ذوى التكلفة الأقل.
وقال يو هان ـ كو، وزير التجارة الكورى السابق الذى يعمل الآن فى معهد بيترسون للاقتصادات الدولية بواشنطن، إن «الكثير من النقاشات حول فائض الإنتاج الصينى تركز بشكل كبير على النزاعات التجارية بين الصين والغرب، وعلى السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية والبطاريات، لكن هذا الأمر يؤثر على الاقتصاد العالمى بشكل أوسع بكثير من مجرد القطاع الصناعى الأخضر».
ووفقاً لمسح أجرته غرفة التجارة والصناعة الكورية الشهر الماضى، أفادت 70% من الشركات المصنعة بأنها شعرت أو تتوقع تأثيراً سلبياً على أعمالها نتيجة المنافسة القادمة من الصادرات الصينية.
معظم هذه المنافسة تتركز فى أسواق مثل جنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، وأمريكا اللاتينية، حيث اتجهت الصادرات الصينية بحثاً عن النمو، نتيجة الفائض فى الإنتاج والطلب المحلى الضعيف فى الصين.
وانخفض متوسط أسعار الصادرات الصينية عالمياً كل شهر بين يناير 2023 وأبريل من العام الحالى، بنسبة 10.2% إجمالاً، وفقاً لبيانات من اتحاد التجارة الدولى الكورى، بينما انخفضت أسعار الصادرات الكورية بنسبة 0.1% فقط خلال الفترة نفسها.
وقال دو وون بين، الباحث فى اتحاد التجارة الدولى الكورى، إن «تحويل الصين لصادراتها بعيداً عن الولايات المتحدة وأوروبا يشكل سيفاً ذا حدين بالنسبة لنا، ولدينا فرص أكبر للتصدير إلى الولايات المتحدة بفضل غياب الصين هناك، لكن صادرات الصين إلى دول مثل فيتنام، والسعودية، والبرازيل، وكازاخستان زادت بشكل كبير هذا العام، ما يشكل تحديات للشركات الكورية فى تلك الأسواق».
وتضررت شركات الصلب الكورية بشكل خاص، حيث تزامنت المنافسة الصينية المتزايدة مع تباطؤ قطاع البناء المحلى.
وسجلت شركة «هيونداى ستيل» تراجعاً بنسبة 78.9% فى أرباح التشغيل على أساس سنوى فى الربع الثانى، بينما سجل قسم الصلب فى «بوسكو» انخفاضاً قدره 50.3%، وسجلت «دونجكوك ستيل» تراجعاً بنسبة 23%.
ووفقاً لاتحاد الحديد والصلب الكورى، يبلغ متوسط سعر الصلب الصينى 863 دولاراً للطن، مقارنة بسعر 2570 دولاراً لطن الصلب الكورى.كما تكافح الشركات الكورية الرائدة فى مجال البتروكيماويات، حيث أوقفت بعض الشركات الإنتاج، وخرجت من مشاريع مشتركة، وأجلت خطط التوسع وسط خسائر متزايدة فى أعمالها الأساسية.
وأشار دو إلى أن الشركات الكورية تحتاج إلى «تمييز منتجاتها من خلال الجودة» كوسيلة للتغلب على المنافسة.
لكن المسح الذى أجرته غرفة التجارة والصناعة الكورية كشف أن الشركات المصنعة الكورية بدأت تفقد الثقة فى قدرتها على الحفاظ على تفوقها، حيث أفادت 26.2% فقط من الشركات بأنها حافظت على ميزة تكنولوجية وجودة ثابتة مقارنة بالمنافسين الصينيين خلال الأعوام الخمس الماضية، بينما توقعت 73.3% من الشركات التى تتمتع حالياً بتفوق تقنى أو مساواة مع الصينيين أن تتفوق الصين عليها خلال الأعوام الخمس المقبلة.
وتزداد الشركات الكورية فى اتخاذ إجراءات قانونية مضادة، من خلال تكثيف شكاوى الإغراق وانتهاك براءات الاختراع ضد المنافسين الصينيين.وفقاً لوزارة الصناعة الكورية، فإن الشركات الكورية، بقيادة صناعات الصلب والبتروكيماويات والبطاريات، فى طريقها لتسجيل أكبر عدد من قضايا الإغراق ضد المنافسين الصينيين هذا العام منذ عام 2002، وهو العام الذى انضمت فيه الصين إلى منظمة التجارة العالمية.
وقال تشوى بيونج إيل، الخبير التجارى وأستاذ فخرى بجامعة إيهوا: «حتى وقت قريب، كانت كوريا تتعامل بتراخٍ مع الاستثمارات الصينية رغم مخاطر تسريب التكنولوجيا، لكن البلاد بحاجة لاتخاذ تدابير أكثر تطوراً لأمنها الاقتصادى، حيث يجب أن يكون للحكومة دور أكثر فاعلية لضمان تكافؤ الفرص».