تُواجه الصين تحديات جديدة تهدد استمرارية هيمنتها الصناعية العالمية، مع تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة وركود الطلب المحلي، مما يثير تساؤلات حول قدرة البلاد على الحفاظ على مكانتها كـ”قوة صناعية خارقة”.
في منطقة فوشان، مركز التصنيع الجنوبي في الصين، جاءت تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات الصينية بمثابة “أقل الأضرار” مقارنة بتهديده السابق بفرض رسوم بنسبة 60%.
يقول المشرف في جمعية فوشان للتجارة الخارجية، كين هو: “لو كانت النسبة 60%، لكان ذلك كارثياً للمنتجات المصنوعة في الصين المتجهة إلى الولايات المتحدة. لكن نسبة 10%، حتى لو فُرضت في 20 يناير عندما يتولى ترامب منصبه، تبدو أكثر قابلية للإدارة”.
مع ذلك، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تمثل أحد أقوى التحديات التي واجهتها الصين حتى الآن، إذ تعتمد بكين بشكل متزايد على الصناعات التصديرية لدعم اقتصادها في ظل ركود الطلب المحلي بسبب أزمة العقارات.
الإستراتيجية الصناعية وأهداف بكين
يشكل التصنيع المتقدم جزءاً أساسياً من رؤية الرئيس الصيني شي جين بينج لـ”النهضة الوطنية”، التي تهدف إلى إنهاء اعتماد الصين على التكنولوجيا والتصنيع الغربي، بحسب ما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية
من خلال مبادرات مثل “صنع في الصين 2025″، تسعى الحكومة لتحقيق تفوق في مجالات مثل السيارات الكهربائية، والروبوتات، وقطاع الطيران.
تستفيد المصانع الصينية من الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية، والتسهيلات الائتمانية الرخيصة، وصناديق الاستثمار المدعومة من الدولة.
كما تقدم الحكومات المركزية والمحلية إعانات للمصانع، ما يعزز تنافسية المنتجات الصينية في الأسواق الدولية.
الصناعة بين الهيمنة والمخاطر
تشير الإحصاءات إلى أن الصين تمثل 35% من الإنتاج الصناعي العالمي، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة وأوروبا.
وتستحوذ الصين على 20% من الصادرات العالمية للسلع المصنعة، ما يجعلها “القوة الصناعية الوحيدة” وفقاً لريتشارد بالدوين، أستاذ الاقتصاد الدولي في مدرسة “أي إم دي” لإدارة الأعمال.
لكن هذه الهيمنة تثير مخاوف بين شركاء الصين التجاريين.
تقول كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في “ناتيكسيس”، أليثيا جارسيا هيريرو، إن الصين تعتمد بشكل مفرط على الطلب الخارجي لاستيعاب فائض إنتاجها الصناعي.
وأضافت: “الحمائية التي ستواجهها الصين لن تتوقف عند العالم الغربي فقط، بل ستتسارع في المستقبل”.
التحديات الداخلية للصناعة
في ظل تباطؤ الطلب المحلي وارتفاع تكاليف الإنتاج، دخلت الصين في مرحلة من الضغوط الانكماشية، حيث ظلت أسعار المنتجين في منطقة التضخم السلبي لمدة عامين.
وعلى الرغم من ذلك، تستمر الحكومة في تعزيز الاستثمار في القطاع الصناعي، حيث يتوقع نمو الاستثمار في الأصول الثابتة بنسبة 9% هذا العام مقارنة بـ6.5% العام الماضي، وفقاً لتقديرات “مورجان ستانلي”.
لكن هذا النهج قد يؤدي إلى زيادة القدرة الصناعية في بلد يعتمد 55% فقط من ناتجه المحلي الإجمالي على الاستهلاك المحلي، مقارنة بـ70% في اليابان وألمانيا، و80% في الولايات المتحدة.
المخاوف من الإفراط في الإنتاج
يؤكد محللون أن الهيمنة الصينية في الصناعات الخضراء مثل السيارات الكهربائية والألواح الشمسية والبطاريات ، دفعت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى فرض قيود تجارية، كما أن الطلب المحلي البطيء أدى إلى فائض في العديد من القطاعات الصناعية.
يقول جينس إسكيلوند، رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الصين، إن “التضخم السلبي لأسعار المنتجين في الصين لا يؤثر فقط على الشركات المحلية، بل يتم تصديره ويؤثر على الشركات العالمية أيضاً”.
وأشار إلى أن ضعف الطلب الداخلي في الصين والتوترات التجارية مع الدول الكبرى يضعفان من قدرتها على الحفاظ على تنافسية منتجاتها.
محاولات التكيف مع الأزمات
في مدينة فوشان، التي كانت تُلقب بـ”صانعة كل منزل”، يظهر التأثير الواضح للأزمة.
يقول تانج، موظف في شركة متخصصة في صناعة الأبواب الراقية، إن أسعار منتجاته قد انخفضت إلى النصف، ويجد الموزعون صعوبة في تحقيق مبيعات شهرية.
وأضاف أن “العديد من المصانع الصغيرة خرجت من السوق”.
للرد على هذا التحدي، بدأ المصنعون الصينيون في استخدام منصات التواصل الاجتماعي والأسواق الإلكترونية لتسويق منتجاتهم دولياً.
كما تحولت بعض الشركات إلى استراتيجية “إزالة الطابع الصيني” عبر إنشاء مصانع في دول جنوب شرق آسيا لتجنب القيود الجيوسياسية.
الصناعات المتقدمة والتنافسية العالية
في حين أن بعض الشركات الصينية تدرس نقل الإنتاج إلى الخارج، يرى مصنعون آخرون أن ميزات الصين لا يمكن تعويضها.
يقول دايفيد تشيان، نائب رئيس مجموعة “إيكوفاكس” لصناعة الروبوتات المنزلية، إن الصين تتمتع بميزة فريدة تتمثل في القدرة على تطوير المنتجات وإطلاقها بسرعة بفضل مواردها التقنية والبشرية.
هل حان وقت تغيير الاستراتيجية؟
يرى بعض الخبراء أن الصين قد وصلت إلى ذروة نموذج التصنيع والتصدير التقليدي.
يقول البروفيسور ياو يانج، خبير الاقتصاد الصيني: “أعتقد أننا وصلنا إلى قمة نموذج التصنيع والتصدير التقليدي. لقد حان الوقت لتغيير استراتيجية الصين الاقتصادية”.
بمواجهة ضغوط متزايدة على المستويين المحلي والدولي، تبدو بكين أمام مفترق طرق حاسم.
تحتاج الصين إلى تحقيق توازن بين تطوير صناعاتها المتقدمة وتعزيز الطلب المحلي، للحفاظ على دورها كقوة اقتصادية عالمية.