أدى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف سكّ عملة “البنس” إلى أزمة غير متوقعة في النظام النقدي الأمريكي، إذ أصبح نقص العملات المعدنية الصغيرة يؤثر على عمليات البنوك وتجار التجزئة على حد سواء.
وذكرت وكالة “أسوشيتد برس”، أن ترامب أصدر القرار في التاسع من فبراير الماضي بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، إذ تجاوزت تكلفة تصنيع “البنس” قيمته الاسمية لسنوات عديدة، على الرغم من جهود دار سكّ العملة الأمريكية لخفض النفقات. فقد أنفقت الدار 3.7 سنت لإنتاج البنس الواحد في عام 2024، وفقًا لأحدث تقرير سنوي لها.
هذا النقص في العملات المعدنية الصغيرة وضع ضغوطًا إضافية على التجارة المحلية، وأثار تساؤلات حول استدامة السيولة النقدية في الاقتصاد الأمريكي، متسببًا بارتباك واسع في الأسواق والبنوك، حيث لم تعد المتاجر قادرة على توفير “الفكة” أو التعامل بالدفع النقدي بسهولة.
ومع غياب التوجيهات الحكومية، وجد التجار والمستهلكون أنفسهم أمام أزمة مالية غير متوقعة تُضاف إلى تداعيات الشلل المالي الذي تعيشه البلاد.
ففي محلات البقالة والمطاعم الأمريكية، باتت لافتات “يُرجى الدفع بالمبلغ الدقيق” مشهدًا مألوفًا. فالبنسات التي كانت يومًا رمزية ولا يُلقى لها بال، أصبحت عملة نادرة بعد توقف دار السكّ عن إنتاجها استجابةً لسياسة تقشف أطلقها الرئيس ترامب.
وبينما يسعى المواطنون لجمع البنسات من أوعيتهم القديمة، تحاول الشركات والبنوك التكيّف مع واقع نقدي جديد فرضه قرار سياسي جاء دون تخطيط كافٍ.
ومن الطريف أن سلسلة متاجر “شيتز” لجأت إلى فكرة غير معتادة، إذ عرضت مشروبًا مجانيًا لأي عميل يجلب 100 بنس، لكن هذه المبادرة لم تُخفف من حجم الأزمة. فقد حذّر أحد كبار تجار التجزئة من أن نقص البنسات سيكلف شركته ملايين الدولارات هذا العام بسبب الحاجة إلى تقريب الأسعار إلى الأسفل لتجنّب الدعاوى القضائية.
ومن جانبه، قال ديلان جيون، المدير التنفيذي للعلاقات الحكومية في اتحاد تجار التجزئة الوطني: “إنها خسارة مالية كبيرة.”
وقد بدأت الأزمة في الصيف الماضي، لكنها ازدادت حدّة مع اقتراب موسم التسوق في العطلات، حيث أصبح توفير الفكة أمرًا بالغ الصعوبة. ورغم أن أحدًا من التجار أو البنوك لا يطالب بالإبقاء على البنسات، فإن قرار الحكومة بوقف إنتاجها جاء فجأة ودون أي توجيه رسمي، تاركًا المتاجر في موقف محرج.
وعبّر ترامب عن فلسفته التقشفية بطريقة رمزية على منصة “تروث سوشيال” قائلاً: “لنستأصل الفاقد من ميزانية أمتنا العظيمة، حتى لو كان ذلك بنسًا في كل مرة.”
ومع هذه السياسة، لم تعد البنسات مجرد قطعة نقدية صغيرة، بل أصبحت رمزًا لأزمة أكبر تؤثر على التجار والمستهلكين على حد سواء، مع تبعات ملموسة تصل إلى ملايين الدولارات.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أعلنت في مايو أن آخر طلبية من الصفائح النحاسية والزنك — المعدنين المستخدمين في سكّ البنسات — تم تقديمها، وفي يونيو تم سكّ آخر البنسات، وفي أغسطس وُزّعت على البنوك وشركات النقل الآمن.
وفي هذا السياق، قال رئيس بنك “جارانتي بنك آند ترست” في لويزيانا، تروي ريتشاردز، إنه اضطر إلى البحث عن طرق لتأمين ما يكفي من البنسات لعملائه منذ أغسطس، بعد أن تلقى رسالة إلكترونية من الاحتياطي الفيدرالي تفيد بتقليص شحنات البنسات.
وكشف تقرير دار السكّ الأمريكية لعام 2024، وهو العام الأخير لإنتاج البنسات بالكامل، أن المؤسسة سكّت 3.23 مليار بنس، أي أكثر من ضعف عدد العملات من فئة الربع دولار، لكنها تواجه مشكلة أساسية؛ إذ إن البنسات نادرًا ما تعود إلى التداول، حيث يخزنها الأمريكيون في أوعية أو يستخدمونها للزينة.
ومن الناحية المالية، توقعت الحكومة الأمريكية توفير 56 مليون دولار من وقف سكّ البنسات، رغم أن دار السكّ تحقق أرباحًا صافية تبلغ نحو 182 مليون دولار من العملات الأخرى ومجموعات العملات التذكارية لهواة الجمع.
وفي ظل أزمة النقص الحاد في البنسات، لم يعد الموضوع يقتصر على مشكلات لوجستية ومالية، بل تحوّل إلى معركة قانونية بين التجار والعملاء.
ففي بعض الولايات والمدن، يُعد تقريب المعاملات إلى أقرب خمسة أو عشرة بنسات أمرًا غير قانوني، إذ يُعتبر انتهاكًا للقوانين التي تهدف إلى ضمان تكافؤ الفرص بين العملاء الذين يدفعون نقدًا وأولئك الذين يستخدمون بطاقات الائتمان أو الخصم.
وللتعامل مع هذه الأزمة، بدأ العديد من التجار بتقريب المعاملات إلى الأسفل بدلاً من التقريب إلى الأعلى، لتجنّب الخرق المحتمل للقوانين وتفادي الدعاوى القضائية.
وفي هذا السياق، يناقش الكونغرس حاليًا مشروع قانون يُعرف بـ”قانون البنسات العامة”، يقترح تقريب المعاملات النقدية إلى أقرب خمسة بنسات، سواء للأعلى أو للأسفل. ورغم أن هذا الاقتراح قد يبدو مقبولًا بالنسبة للتجار، فإن التقريب للأعلى قد يفرض تكاليف إضافية على المستهلكين.








