فى تطور جديد على مسار تعزيز جاذبية الاقتصاد المصرى، أعلنت الحكومة المصرية مؤخراً انضمامها إلى اتفاقية تسهيل الاستثمار من أجل التنمية (IFD)، التابعة لمنظمة التجارة العالمية (WTO)، فى خطوة تبرز التزام الدولة بتهيئة بيئة أعمال أكثر شفافية وتنافسية وجاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، خصوصاً فى قطاعات الطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمى.
اتفاقية IFD لم تدخل حيز التنفيذ بعد
تعد هذه الاتفاقية أول إطار متعدد الأطراف داخل منظمة التجارة العالمية يركز على تيسير الإجراءات الحكومية، وتبسيط التعامل بين المستثمرين والجهات المعنية. لكنها لم تدخل بعد حيز التنفيذ؛ إذ يتطلب تفعيلها إدراجها رسمياً ضمن الملحق الرابع (Annex 4) لاتفاقية مراكش المنشئة للمنظمة، وهو ما يستدعى موافقة جماعية من أعضاء المنظمة فى المؤتمر الوزارى أو من خلال المجلس العام، وهو ما لم يحدث بعد.
لكنَّ انضمام مصر المبكر يظهر استعداداً سياسياً ومؤسسياً للتفاعل مع متطلبات الاتفاقية فور دخولها حيز النفاذ، وهو ما يبعث إشارة ثقة قوية للأسواق الدولية والمستثمرين الباحثين عن بيئات مستقرة وواضحة القواعد.
فوائد متوقعة ومكاسب مبكرة
من شأن التزام مصر بالاتفاقية أن ينعكس إيجاباً على عدة مستويات، أبرزها:
• تقليص زمن وإجراءات الحصول على التراخيص.
• رفع مستوى الشفافية فى المتطلبات الإدارية والضريبية.
• إطلاق منصات رقمية موحدة للمستثمرين بدلاً من التعامل مع جهات متعددة.
• تعزيز خدمات ما بعد الاستثمار ومتابعة المشروعات الكبرى.
مصر كبوابة استثمار نحو أفريقيا
يأتى هذا الانضمام فى سياق الدور الإقليمى المتنامى لمصر داخل قارة أفريقيا ومنطقة الكوميسا، الذى يجعلها مركزاً إقليمياً لجذب الاستثمارات المتجهة إلى أفريقيا.
فبحسب تقرير الاستثمار فى العالم لعام 2025، تواصل مصر تصدرها كأحد أكبر مستقبلى الاستثمارات الأجنبية فى قارة أفريقيا ودول الكوميسا بفضل مشاريع البنية التحتية والطاقة والصناعات التحويلية.
ومن المتوقع أن يعزز الجمع بين اتفاقية IFD ومسار التكامل الإقليمى فى الكوميسا قدرة مصر على تقديم نفسها كبوابة استثمار نحو أفريقيا.
إصلاحات محلية وجهود رقمية
على المستوى المحلى، اتخذت الحكومة المصرية سلسلة من الخطوات لتسهيل الاستثمار، من بينها:
• إطلاق منصة الترخيص الموحدة بالتعاون بين الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة ووزارة الاتصالات، لتقديم نحو 389 خدمة إلكترونية تشمل التراخيص والموافقات من 41 جهة مختلفة.
• تطوير مركز خدمات المستثمرين عبر بوابة Invest in Egypt التى توفر خدمات الرخصة الذهبية، ودعم المستثمرين المصريين بالخارج، ومبادرة فكرتك شركتك.
• تعديل قانون الاستثمار (160 لسنة 2023) لإدخال حوافز نقدية وضريبية جديدة وتشجيع الاستثمارات فى المناطق الأقل نمواً.
لكن… التحدى فى التنفيذ
ورغم أهمية هذه الإصلاحات، لا يعمل العديد من الإجراءات بالفعالية المطلوبة حتى الآن، ويرجع ذلك إلى أن جزءاً كبيراً منها مرتبط بالتحول الرقمى الحكومى، وهو مسار لا يمكن أن ينجح إلا من خلال تحول شامل فى البنية الإدارية لجميع مؤسسات الدولة.
فغياب التكامل بين قواعد البيانات، وتعدد الجهات المعنية دون ترابط إلكترونى فعلى، يضعفان من أثر الجهود المبذولة لتسهيل الاستثمار.
وفى هذا السياق، تعد وزارة الاستثمار المصرية قاطرة رئيسية للتنمية، ليس فقط فى جذب الاستثمارات، بل أيضاً فى قيادة عملية التحول الرقمى الحكومى التى تمس جميع الخدمات المقدمة للمستثمرين، من تأسيس الشركات إلى خدمات ما بعد الاستثمار.
تعظيم المكاسب من انضمام مصر إلى اتفاقية تسهيل الاستثمار يتطلب:
• تطوير الأطر المؤسسية وتعزيز الربط الرقمى بين الوزارات.
• بناء قدرات بشرية قادرة على إدارة التحول الرقمى بكفاءة.
• تحديد أولويات وطنية لربط تنفيذ الاتفاقية برؤية مصر 2030 وأهداف التنمية المستدامة.
• ضمان أن تبسيط الإجراءات لا يأتى على حساب استقلالية السياسات التنموية والأمن الاقتصادى للدولة.
فى النهاية انضمام مصر إلى اتفاقية تسهيل الاستثمار يمثل خطوة إستراتيجية وطموحاً نحو بيئة أعمال أكثر جذباً وشفافية. لكن نجاحها الحقيقى سيقاس بمدى قدرة الدولة على تحويل هذا الالتزام الدولى إلى إصلاح مؤسسى شامل يضع التحول الرقمى فى قلب التنمية الاقتصادية، ويجعل من وزارة الاستثمار قاطرة الإصلاح والحداثة الحكومية فى خدمة المستثمرين والتنمية.








