الصورة العامة على المدى الطويل تشير إلى فجوة ضريبية ضخمة
ثلاث بنسات فقط.. رسوم صغيرة لكل ميل تقطعه السيارة الكهربائية، لكنها تمثل قفزة مفاهيمية هائلة بالنسبة لبريطانيا.
لطالما قاوم وزراء الخزانة في بريطانيا أي شكل من أشكال تسعير استخدام الطرق، باعتباره خطوة شديدة الحساسية سياسياً.
لكن هذا الوضع قد يتغير الأسبوع المقبل؛ إذ يُتوقع أن تقدّم راشيل ريفز رسوماً جديدة مرتبطة صراحةً بعدد الأميال التي تقطعها السيارات الكهربائية.
وزارة الخزانة أكدت تقريباً أن نوعاً من هذه الرسوم سيتم الإعلان عنه في ميزانية الأسبوع المقبل، رغم أن التفاصيل لم تُكشف بعد.
ووفقاً لتقرير أولي في صحيفة “التلجراف”، قد يبدأ سائقو السيارات الكهربائية اعتباراً من عام 2028 بدفع رسوم إضافية تعتمد على عدد الأميال التي قطعوها خلال العام، وذلك إلى جانب ضريبة الطريق السنوية أو ضريبة ترخيص المركبات.
قد يكون ذلك عبر تقدير ذاتي للمسافة أو عبر فحص عدّاد المسافات خلال اختبار فحص سلامة المركبات السنوي.
وبحسب بيانات صادرة عن وزارة النقل البريطانية، فإن السيارات الكهربائية العاملة بالبطاريات، ذات التكاليف التشغيلية الأقل مقارنة بالبنزين، تُستخدم بشكل أكبر؛ إذ تقطع في المتوسط نحو 8,900 ميل في عام 2024.
ومع تطبيق رسوم قدرها 3 بنسات لكل ميل، فإن متوسط الرسوم سيبلغ 267 جنيهاً إسترلينيا لكل سيارة من أصل 1.4 مليون سيارة كهربائية تسير حالياً على الطرق البريطانية، أي ما يعادل نحو 375 مليون جنيه إسترلينيا سنوياً.
وزيرة النقل هايدي ألكسندر أكدت رفضها القاطع لفكرة تطبيق نظام وطني لتسعير الطرق خلال جلسة في مجلس العموم الخميس الماضي، رغم أن “توضيحاً” لاحقاً أشار إلى أن فرض رسوم الدفع مقابل الميل على السيارات الكهربائية لا يزال قيد الدراسة.
الصورة العامة على المدى الطويل تشير إلى فجوة ضريبية ضخمة تلوح في الأفق مع تراجع إيرادات الضرائب على الوقود، بالتزامن مع الانتقال المتواصل نحو السيارات الكهربائية.
فسيارات البنزين والديزل تدفع فعلياً رسوماً مرتبطة بعدد الأميال المقطوعة، ولكن عبر استهلاك الوقود في محطات التعبئة.
تشير توقعات مكتب مسؤولية الميزانية إلى أن ضريبة الوقود البالغة 52.95 بنساً لكل لتر – أي ما يعادل نحو 5 بنسات لكل ميل في السيارات العادية – ستُدر 24.4 مليار جنيه خلال السنة المالية الحالية.
لكن هذه المليارات ستتلاشى تدريجياً بدءاً من عام 2030، مع دخول حظر بيع السيارات الجديدة العاملة بالبنزين والديزل حيز التنفيذ، بحسب ما ذكرته صحيفة “الجارديان”.
التحدي يكمن في إيجاد بديل عادل لنظام بات غير قابل للاستمرار، وتجاوز مقاومة راسخة لدى التيار اليميني لأي شكل من أشكال رسوم الطرق، وهي معركة سياسية مرتبطة أيضاً بثقافة الجدل الدائر حول مناطق الانبعاثات المنخفضة جداً والمناطق منخفضة الحركة وما يُثار حولها من ادعاءات تتعلق بتقييد الحريات وزيادة الرقابة.
دافع بعض الاقتصاديين عن أنظمة تسعير تعتمد على الوقت والازدحام، معتبرين أنها أكثر عدالة وقدرة على إدارة استخدام الطرق، لكنها تستلزم مستوى إضافياً من التتبع الرقمي.
يقول ستيف جودينج، مدير مؤسسة “أر إيه سي فاونديشن” للسيارات، إن أي نظام جديد يجب أن يكون بسيطاً.
لكنه يضيف بشأن الخصوصية أن “حجم البيانات التي تُنتجها السيارات الحديثة مذهل. وإذا بدأت وزارة النقل أو وكالة ترخيص السائقين والمركبات بتتبع حركة السيارات، سيعتقد الناس أن الأخ الأكبر يراقبهم. لكن بالنسبة إلى إيلون ماسك – فهم غير مكترثين لذلك تماماً”.
تبرز أيضاً مخاوف أوسع تتعلق بأن نظام الدفع مقابل الميل قد يثني السائقين عن التحول إلى السيارات الكهربائية، وهو تحول ضروري لخفض الانبعاثات الكربونية.
أعربت الشركات المصنعة والمؤسسات التجارية ومجموعات السيارات مثل “فورد” و”أوتو تريدر” عن قلقها من توقيت فرض هذه الرسوم في مرحلة انتقالية حساسة.
فصنّاع السيارات مجبرون بموجب “تفويض المركبات عديمة الانبعاثات” على ضمان أن ثلث السيارات المباعة العام المقبل ستكون كهربائية بالكامل، ترتفع إلى 80% بحلول 2030، مع السماح بأن تشكل السيارات الهجينة نسبة 20% المتبقية.
رغم استمرار المنح المقدّمة للمركبات الكهربائية الجديدة حتى 3,750 جنيهاً، ورغم أن التكاليف التشغيلية لا تزال أقل للبعض، فإن عدداً من الإعفاءات والخصومات بدأ يتلاشى.
فقد أكدت هيئة النقل في لندن مؤخراً أن السيارات الكهربائية ستُخضع لرسوم الازدحام في العاصمة اعتباراً من العام المقبل، كما بدأت السيارات عديمة الانبعاثات دفع ضريبة ترخيص المركبات منذ أبريل الماضي.
ووفقاً لتقرير صادر عن مركز “سوشيال ماركت فاونديشن” البحثي، تقدّم نيوزيلندا مثالاً تحذيرياً؛ إذ فُرضت العام الماضي رسوم استخدام الطرق على السيارات الكهربائية، وهي رسوم كانت تُطبق سابقاً على السيارات العاملة بالديزل فقط، ويتم دفعها عبر شراء تصاريح ورقية لمسافة 1,000 كيلومتر (621 ميلاً).
هذا الإجراء، إلى جانب إنهاء المنح والإعفاءات، أدى إلى انخفاض حاد في مبيعات السيارات الكهربائية، لتتراجع إلى 4% فقط من السوق بعد أن بلغت ذروتها عند 19%.
يشير المركز إلى أن آيسلندا، التي أدرجت أيضاً السيارات الكهربائية ضمن نظام الدفع مقابل الميل العام الماضي، حافظت على الحوافز والفروقات السعرية، ما أدى إلى تراجع بسيط فقط في حصة السوق.
في ظل هذه التطورات، يشعر المدافعون عن التكنولوجيا الجديدة بالقلق.
فقد حذّرت جمعية السيارات الكهربائية في إنجلترا، وهي جهة تمثل السائقين، في رسالة إلى وزيرة الخزانة من أن ثقة المستهلكين بالسيارات الكهربائية لا تزال هشّة.








