أجمع خبراء مصرفيون، على أن استقرار سعر الصرف الناجم عن عوامل محلية وعالمية، يُشكل دفعة إيجابية للشركات والبنوك على حد سواء، إذ يعزّز شهية الشركات للاقتراض والتوسع في طلب فتح الاعتمادات المستندية، بجانب تحسن المخاطر الائتمانية لدى البنوك.
أضافوا لـ”البورصة”، أن هذا الاستقرار ستنعكس إيجابياته على النشاط الاقتصادي، خاصة في القطاعات الصناعية والتجارية، إذ يسهم في تحسين جودة محافظ القروض ودعم الاستثمارات.
قالت شيماء وجيه الخبيرة المصرفية، إن تراجع سعر الدولار يخفض تكلفة الواردات والخدمات المسعّرة بالعملة الأجنبية، وهو ما يخفف الضغوط التمويلية على الشركات، ويعزز قدرتها على التخطيط المالي بشكل أفضل.
وأضافت أن هذا التراجع يدفع الشركات للتوسع في فتح الاعتمادات المستندية لتأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار أكثر تنافسية، في ظل تحسن الرؤية بشأن تكلفة التمويل.
وأوضحت وجيه، أن البنوك تستجيب عادةً بشكل إيجابي لهذه المتغيرات من خلال تيسير إجراءات التمويل وقبول عدد أكبر من الاعتمادات المستندية، مع استمرار الالتزام بتقييم المخاطر الائتمانية وفقًا للمعايير والضوابط المصرفية المعتمدة.
كما أن تراجع سعر الدولار عزّز شهية الشركات للاقتراض، خاصة القطاعات كثيفة الاستيراد مثل الصناعة التحويلية والتجارة الإلكترونية، إذ أسهم في خفض تكلفة التمويل بالعملة المحلية مقابل الالتزامات المقومة بالعملة الأجنبية.
وأكدت وجيه، أن انخفاض الدولار قلص تكلفة مدخلات الإنتاج، وهو ما انعكس في تحسن هوامش الربحية، ودفع الشركات الصناعية إلى زيادة الاعتماد على التمويل البنكي لدعم التوسعات الإنتاجية.
أضافت أن قطاعات التجارة والخدمات تأثرت بدرجة أقل، نظرًا لاعتماد جزء كبير من تكلفتها على مدخلات محلية، مؤكدة أن التمويل الموجه للقطاع الصناعي شهد نشاطًا ملحوظًا خلال الفترة الماضية.
وتوقعت الخبيرة المصرفية، تحسن جودة محافظ القروض خلال الربعين المقبلين، مدعومًا بتراجع الضغوط الناتجة عن ارتفاع الدولار، في ظل انخفاض تكلفة الالتزامات المقومة بالعملة الأجنبية واستقرار سعر الصرف.
«سليمان»: الاستقرار أزال الحاجة لتضمين علاوة مخاطر كبيرة على تقييم العملاء
وقال أيمن سليمان الخبير المصرفي، إن أكثر المستفيدين من تراجع الدولار هي الشركات التي تحمل ديونًا مقومة بالعملة الأجنبية، إذ خفّ عبء سداد الأقساط والفوائد عند تحويلها من الجنيه المصري، ما عزّز الميزانية العمومية لهذه الشركات وقلّل المخاطر المرتبطة بتعثرها.
أضاف أن استقرار العملة مهد الطريق أمام دورة التيسير النقدي الجارية، مؤكدًا أن أي تخفيض في أسعار الفائدة المحلية سيخفض كلفة الاقتراض بالجنيه، ويحفز الشركات على التوسع والتمويل طويل الأجل محليًا ودوليًا.
وأشار سليمان، إلي أن تراجع الدولار جعل السلع والمواد الخام المستوردة أرخص عند تسعيرها بالعملة المحلية، ما دفع الشركات إلى زيادة النشاط الاستيرادي لاستئناف أو رفع الطاقة التشغيلية بعد فترات القيود. كما عزّز هذا التطور، الطلب على الاعتمادات المستندية، وهو ما انعكس إيجابًا على نشاط البنوك.
أضاف أن القطاع المصرفي استجاب بشكل كامل لشهية الشركات، إذ سمح استقرار سعر الصرف بخفض المخاطر المرتبطة بالعملة الأجنبية على محافظ القروض وتحسين كفاءة سوق الإنتربنك نتيجة زيادة تدفقات العملة الصعبة من الاستثمارات الأجنبية والسياحة، ما مكّن البنوك من تدبير الدولار بشكل سريع ودون تراكم للطلبات.
وأشار إلى أن رفع القيود المفروضة على فتح الاعتمادات لبعض السلع غير الأساسية أعاد تنشيط حركة التجارة في السوق وخلق بيئة أكثر مرونة للشركات للاستيراد والتوسع في نشاطها، في ظل استقرار العملة وانسياب التمويل اللازم لدعم النشاط الاقتصادي.
وأكد سليمان أن استقرار سعر الصرف شكّل أهم مؤشر للبنوك لتحديد المستوى الائتماني للعملاء، وأزال الحاجة لتضمين علاوة مخاطر كبيرة على تقييم العملاء.
وأشار إلى أن الاستقرار مكن الشركات من وضع ميزانيات دقيقة، وحفظ هوامش أرباحها، وتحسين تدفقاتها النقدية، مما عزّز قدرتها على سداد الديون.
وتوقع أن يؤدي هذا التحسن إلى انتعاش ملحوظ في جودة محافظ القروض خلال الربعين المقبلين، معتبرًا استقرار العملة عاملاً حاسمًا للعديد من الشركات.
ورأى سليمان أن القطاع الصناعي من أكثر القطاعات استفادة، خاصة لتمويل مستلزمات الإنتاج للاستفادة من انخفاض كلفة المواد الخام وزيادة الطاقة الإنتاجية، وكذلك التوسع طويل الأجل لشراء خطوط إنتاج جديدة بأسعار أقل.
أضاف أن القطاع التجاري جاء في المرتبة الثانية لتمويل الواردات، بينما دعمت توقعات انخفاض أسعار الفائدة القطاع الخدمي، بما في ذلك الإنشاءات والتمويل الاستهلاكي، ما ساهم في تعزيز النشاط الاقتصادي الشامل.
«أبوالخير»: القطاع الصناعي يتصدر الطلب على التمويل مع تحسن التدفقات النقدية
وأوضح أحمد أبوالخير، الخبير المصرفي، أن تراجع سعر الدولار يعكس تحسن تدفقات النقد الأجنبي وتراجع الضغوط على سوق الصرف، إلى جانب قدر من الاستقرار النسبي في السياسة النقدية.
وأشار إلى أن البنوك استجابت بشكل ملحوظ لتلبية الطلب المتزايد، بالتوازي مع نمو الائتمان الممنوح للقطاع الخاص خلال الفترة، ما أسهم في دعم النشاط الاقتصادي والاستثماري في السوق.
وأكد أبوالخير، أن التراجع الأخير في سعر الدولار أسهم في تحسن نسبي لتوجهات الشركات نحو الاقتراض، لا سيما في القطاعات كثيفة الاعتماد على الاستيراد مثل الصناعات الغذائية، والأدوية، ومستلزمات الإنتاج، والتجارة السلعية.
وأوضح أن انخفاض تكلفة العملة الأجنبية قلّل مخاطر تقلبات التكلفة ورفع درجة اليقين بشأن الالتزامات المستقبلية، مما شجع الشركات على إعادة فتح اعتمادات مستندية كانت مؤجلة واستئناف خطط التوريد التي تم تعليقها أو تقليصها خلال فترات عدم الاستقرار.
وأشار إلى أن هذا التراجع ساعد الشركات على الحد من الحاجة إلى أدوات التحوط مرتفعة التكلفة ضد مخاطر سعر الصرف، وتحسين التدفقات النقدية التشغيلية، وزيادة قدرتها على تحمل أعباء التمويل قصير الأجل المرتبط بعمليات الاستيراد، وهو ما انعكس في صورة عودة تدريجية للطلب على التسهيلات الائتمانية المتعلقة بالتجارة الخارجية.
أضاف أبوالخير، أن تراجع حدة تقلبات الدولار دفع البنوك إلى إعادة تقييم المخاطر المرتبطة بفجوة العملة بين الإيرادات والالتزامات، وقدرة العملاء على خدمة الدين، واحتمالات التعثر الناتجة عن صدمات سعر الصرف، إلى جانب توسيع حدود الائتمان أو إعادة تسعير التسهيلات بشروط أكثر ملاءمة نسبيًا.
وحذر من أن هذا الأثر يظل مشروطًا باستدامة استقرار سعر الصرف، مشيرًا إلى ضرورة أن تتعامل البنوك بحذر وعدم بناء قرارات ائتمانية طويلة الأجل على تحركات قصيرة المدى في أسعار العملات.
ولفت إلى أن القطاع الصناعي سيظل يتصدر قائمة القطاعات الأكثر طلبًا على التمويل، نظرًا لاعتماده الكبير على مدخلات إنتاج مستوردة، حيث يؤدي انخفاض الدولارإلي تحسين هوامش الربحية وزيادة الطاقة الإنتاجية، ما ينعكس في ارتفاع الطلب على التمويل الاستثماري ورأس المال العامل.
أضاف أن القطاع التجاري يأتي في المرتبة الثانية من حيث الطلب على التمويل قصير الأجل المرتبط بالاستيراد والتوزيع، وإن ظل أكثر حساسية لتقلبات الطلب المحلي ومستويات الاستهلاك، بينما من المتوقع أن يستفيد القطاع الخدمي بشكل غير مباشر، خاصة الأنشطة المرتبطة بالخدمات اللوجستية والنقل والخدمات الداعمة للصناعة والتجارة.
وأشار إلى أن بعض القطاعات الخدمية التي تعتمد على مدخلات مستوردة محدودة مثل التكنولوجيا والسياحة الداخلية، قد تشهد طلبًا معتدلًا على التمويل مدفوعًا بانخفاض تكلفة تحديث المعدات وتحسن القدرة على التخطيط المالي لمشروعات التوسع.
وتوقع أبوالخير، أن يسهم تراجع الضغوط الناتجة عن ارتفاع الدولار في تحقيق تحسن تدريجي في جودة محافظ القروض لدى البنوك خلال الربعين المقبلين، من خلال تحسن قدرة العملاء على السداد، وتراجع حالات إعادة الجدولة، وانخفاض الحاجة إلى تكوين مخصصات إضافية مرتبطة بمخاطر الصرف.
أضاف أن الشركات التي كانت تعاني من تراكم المخزون نتيجة ارتفاع تكلفة استبداله ستجد فرصة أفضل لتصريف مخزونها القائم والاستيراد أو الإنتاج بتكلفة أقل، بما يحرر سيولة إضافية يمكن توجيهها لسداد الالتزامات البنكية.
وتابع أن هذا التحسن سيكون انتقائيًا وليس شاملًا، حيث يتركز في القطاعات الأكثر تنظيمًا والأفضل إدارة، بينما قد تستمر الضغوط على الشركات ذات الهياكل المالية الضعيفة أو التي تعتمد بشكل مفرط على التمويل قصير الأجل.







