الحكومة أعلنت الأسبوع الماضي أنها تعمل لخفض الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة منذ 50 عامًا
تترقب الأوساط الاقتصادية، اجتماع مجلس الوزراء، غدًا الأربعاء، والذي تختتم به الحكومة نشاطها لعام 2025، وسط تكهنات بإعلان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء عن “مفاجأة كبرى”.
وتغذي تكهنات اجتماع اليوم، أن اجتماع الحكومة الأسبوع الماضي، أعقبه إعلان الدكتور مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي أن الحكومة تعمل وفق رؤية واضحة لخفض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات غير مسبوقة منذ نحو 50 عامًا، مشددًا على أن أموال الديون التي حصلت عليها الدولة تم توجيهها لبناء بنية أساسية قوية ودعم قطاعات حيوية تمس حياة المواطن بشكل مباشر.
كما شهد الأسبوع الحالي، اجتماعا عقده رئيس الوزراء، والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، وأشرف نجم نائب رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار القومي، لمتابعة إجراءات رفع كفاءة الهيئة الوطنية للإعلام، ضمن سلسلة اجتماعات تستهدف الهيئات الاقتصادية.
وأوضح مجلس الوزراء، أن هناك لجنة خاصة بإعادة حوكمة الهيئات الاقتصادية التابعة للدولة، وتتولى دراسة التحديات التي تواجه كل هيئة وآليات إعادة هيكلتها، وفقا لما تمتلكه من مقومات تسهم في استدامة أدائها لدورها المنوط بها.
وأضاف مدبولي، أنه سبق عقد أكثر من اجتماع لهذه اللجنة، وتم حصر عام للهيئات، ثم سيتم عقد اجتماعات متتالية مع رؤساء الهيئات المعنية لوضع خريطة طريق واضحة للإصلاح.
“هيكل” اقترح بيع أصول الدولة للمركزي مقابل تصفير الدين العام المحلي
وقد أسهم في زيادة حالة الترقب الاقتصادية، أن طرح حسن هيكل، رجل الأعمال، خلال اجتماع موسع مع رئيس الوزراء، مقترحًا يستهدف محو الدين العام المحلي بشكل كامل، تحت مسمى «المقايضة الكبرى».
لكن اقتراح هيكل، واجه انتقادات واسعة خلال اليومين الماضيين، بعد أن تضمن نقل ديون الحكومة، التي قدّرها هيكل بنحو 10 تريليونات جنيه، إلى البنك المركزي المصري مقابل حصول الأخير على أصول لا تدر دخلاً.
وقال هيكل على صفحته على منصة التواصل الاجتماعي “إكس”، في منشور له منذ عام، إن فكرة المقايضة الكبرى يمكن تقسيمها لعدد من المشاهد، وهي حل جذري لأزمة الدين العام.
وبعد تصريحات مدبولي الأخيرة، أعاد هيكل نشر الاقتراحات متسائلًا هل هي الحلول التي ستتخذها الحكومة؟
وأوضح هيكل أن الحل هو بيع أصول الدولة للبنك المركزي الذي يمتلك السيولة، مقابل استثمارات الدولة، مع تصفير الدين العام المحلي، ووضع الأصول في صندوق سيادي تُدار أصوله بطريقة محترفة، على أن توظف ميزانية الدولة المحررة من الفوائد في برامج التأمين الصحي، والتعليم المتقدم، والبحث العلمي، وحل مشاكل القطاعات الإنتاجية.
“عزالعرب” وصف المقترح بـ”إعلان إفلاس”
الرد الأسرع، جاء من هشام عز العرب، رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي، قائلا إن تطبيق هذا المقترح يشبه إعلان إفلاس، مشيرًا إلى أن نحو 40% من الأذون الحكومية مملوكة للأجانب، متسائلًا كيف يمكن مصادرة أموال المودعين ومنحهم أصولًا بدلًا منها؟
وتساءل عز العرب عن إمكانية تطبيق هذا التوجه على الديون الخارجية مثل اليوروبوند، وما إذا كان المجتمع سيقبل به.
وأضاف أن مصر تمتلك إمكانيات كبيرة وغير محدودة، وأنها لم تتخلف عن سداد أي التزام مالي على مدار عشرات السنين، وهو ما يعكس قوة الدولة وقدرتها على الوفاء بتعهداتها.
وأوضح عزالعرب، أن الإشكالية في هذه الطروحات تكمن في التركيز على حجم الدين فقط، مع تجاهل نسبة الدين إلى إيرادات الدولة، مشيرًا إلى أن تطبيق مبدأ وحدة الموازنة وحده يمكن أن يخفض خدمة الدين إلى نحو النصف.
نافع: الاقتصاد لا يمكن أن يُدار عبر مبادرات مفاجئة أو حلول وهمية
من جانبه قال مدحت نافع، عضو اللجنة الاستشارية المتخصصة للاقتصاد الكلي التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، لـ”البورصة”، إن الحديث عن “حل جذري” للديون الحكومية يعني بالأساس معالجة منابع الدين وتقليل الضغوط على الموازنة.
وأوضح نافع أن أهم هذه المصادر هي المشروعات القومية، التي إذا توسع العمل فيها دون ضوابط، تضيق على الموازنة، ما يجعل حوكمة الاستثمارات العامة خطوة أساسية للتعامل مع الدين.
وأضاف نافع أن الحل يكمن في ضبط ميزان التجارة ومعالجة العجز المزمن في الصادرات والواردات، إلى جانب اجتذاب استثمارات حقيقية بدلًا من التمويل عبر أدوات الدين، وهو ما يقلل الاحتياج إلى الدين الخارجي.
وفيما يخص المقترحات المتعلقة بالديون القائمة، مثل ما طرحه حسن هيكل حول “تصفيتها مقابل أصول”، أوضح نافع أن هذه المقاربة غير عملية لسببين: أولًا، البنوك لا تملك الأصول بشكل مباشر، فهي أصول مستثمرة نيابة عن المودعين، وبالتالي تحويلها يعني بمثابة إعلان إفلاس.
وثانيًا، أن أي تدخل في أصول البنك يشكل خطرًا على أموال المودعين، إذ إن هذه الأموال ملكهم وليست ملك الحكومة.
وأشار نافع، إلى أن هناك طرقا أخرى لإعادة هيكلة الدين القائم، منها ما هو استثنائي مثل سندات “برادي” التي استخدمت سابقًا لإعادة هيكلة ديون أمريكا اللاتينية، وإطالة آجالها لتخفيف الضغط المالي الفوري على الدولة، مع منح الدولة مساحة زمنية لتطبيق حلول أخرى على المدى الطويل.
وأوضح أن الحكومة تعمل حاليًا على حلول سريعة المفعول مثل ضبط المشروعات، واستغلال القروض الميسرة لدعم الموازنة، بالإضافة إلى التنسيق المستمر لإعادة هيكلة الدين القائم وتحسين شروطه وتوزيع مصادره. وهذه الإجراءات تتم في سياق متكامل ومترابط، ولا تتضمن أي حلول سحرية، مؤكدًا أن ما يرد في التصريحات الإعلامية لا يجب أن يُفسر على أنه حلول فورية غير عملية.
قال نافع، إن كل ما يُتداول من مقترحات غير واقعية مثل “تصفير الدين مقابل أصول” تمت مناقشته مسبقًا داخل المجلس الاستشاري، مؤكدا أن رئيس الوزراء ملتزم بالإجراءات العملية والقابلة للتطبيق فقط، وأن الاقتصاد لا يمكن أن يُدار عبر مبادرات مفاجئة أو حلول وهمية، بل عبر إعادة هيكلة مدروسة وتحكم رشيد في الإنفاق والاستثمارات.
المهدي: نقل مشكلة الدين إلى القطاع المصرفي يحمل تبعات سلبية جسيمة
وقالت علياء المهدي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، لـ”البورصة”، إن البديل الأول يتمثل في نقل الدين العام إلى البنك المركزي مقابل منحه نسبة محددة من أصول الدولة ليديرها، موضحة أن هذا الإجراء ينقل مشكلة الدين من الموازنة العامة إلى القطاع المصرفي، ويحمل تبعات سلبية جسيمة، كما يعني بيع الأصول الوطنية عبر البنك المركزي بدلًا من الحكومة.
وأضافت المهدي أن البديل الثاني يكمن في اعتماد الموازنة الموحدة التي تشمل جميع الهيئات والصناديق المستقلة، ما يضخم قيمة الموازنة العامة ويقلل نسبة فوائد وأقساط الدين بالنسبة للإنفاق العام والإيرادات، لكنه لا يخفض القيمة المطلقة لأعباء الدين العام.
وأشارت المهدي إلى أن البديل الثالث يمكن أن يكون القضاء على جزء كبير من الديون أو إلغاؤها مقابل تنازلات كبيرة غير محددة حاليًا، لكنها لم تحدد طبيعة هذه التنازلات.
أما البديل الرابع، وفق المهدي، فهو انتظار حل سحري غير معروف يؤدي إلى إلغاء كل الديون دون أي تكلفة حالية أو مستقبلية على الحكومة، مؤكدة أن هذا الخيار غير واقعي.
وأكدت المهدي، أن الحل الحقيقي لمشكلة الديون يكمن في العمل والإنتاج والتصدير، مع خفض الاقتراض السنوي إلى أقل من نصف معدله الحالي، مشددة على أنها لا تؤمن بالحلول السحرية أو الإجراءات السريعة التي تبدو جذابة ظاهريًا.
وهكذا لاتزال الحكومة حتى الآن، لم تعلن عن حركتها التالية في رقعة الساحة الاقتصادية، ولايزال الخبراء يترقبون قرار مدبولي لحل أو تخفيف أزمة الدين العام.
وحتى منتصف 2025، بلغ الدين المحلي لأجهزة الموازنة العامة 11 تريليون جنيه، فيما سجل الدين الخارجي الحكومي 3.89 تريليون جنيه. وبلغ إجمالي دين أجهزة الموازنة (خارجي/داخلي) 14.96 تريليون جنيه.
أما دين الهيئات الاقتصادية فقد سجل 2.39 تريليون جنيه، ليصل إجمالي دين الحكومة قبل الاستبعادات إلى 17.36 تريليون جنيه.
وبالنسبة للعلاقات المالية البديلة، سجلت الاستثمارات في الأوراق المالية 7.22 تريليون جنيه، ليصبح دين الحكومة العامة بعد هذه الاستبعادات 10.14 تريليون جنيه.
وتشير النسب المئوية إلى أن نسبة الدين المحلي لأجهزة الموازنة العامة إلى الناتج المحلي بلغت 63,3%، فيما وصلت نسبة الدين الخارجي الحكومي إلى الناتج المحلي إلى 23,3%، وبلغت نسبة دين الهيئات الاقتصادية إلى الناتج المحلي 13,7%.
كما بلغت نسبة إجمالي دين الحكومة العامة قبل الاستبعادات 89,5% من الناتج المحلي، وبلغت نسبة إجمالي دين أجهزة الموازنة (خارجي وداخلي) 85,6%، فيما بلغت نسبة دين الحكومة العامة بعد الاستبعادات 65,3% من الناتج المحلي.







