اقتصادنا يا تعبنا «99»
بعد شهور قليلة من حملة (#خليها_تصدي) الإلكترونية والتى وصلت إلى الإعلام المقروء والمسموع لدرجة أنها اثارت خوف كافة التجار والوكلاء العاملين فى مجال تجارة السيارات.. أراها من الحملات الناجحة وتبين وعى الفئات المستفيدة بجشع الوكلاء والتجار.. فليس من المعقول أن يكسب الوكيل أكثر من %50 من ثمن السيارة ووصلت فى بعض الأحيان فى بعض الأنواع إلى %100..
فهل يحدث ذلك فى دول العالم.. لننظر إلى دول الخليج مثلا تصلهم السيارة بمواصفات أفضل وسعر أرخص من مصر وجميعها مستوردة.. فمن يحمى المواطن من استغلال الوكلاء والتجار.. أضف إلى ذلك قطع غيار السيارات التى تباع بسعر مرتفع جدا من قبل الوكيل.
وهنا لا بد أن تقوم الأجهزة الرقابية تحت مظلة وزارة المالية (مصلحة الجمارك) ووزارة الصناعة والتجارة وأجهزتها التابعة جهاز حماية المستهلك بالتعاون مع جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية فى التعامل بشكل أكثر حسما مع هذا الملف المهم وكافة السلع التى يحدث فيها استغلال المواطن والاستيلاء على أموالهم من خلال هذا الجشع.. وهنا يأتى دور مؤسسات الدولة فى الضبط والرقابة..
وهناك قطاع آخر يجب النظر إليه هو قطاع العقارات والارتفاع الجنونى فى أسعار العقارات.. فمنذ أن حدث التعويم ارتفعت أسعار العقارات إلى مستويات كبيرة جدا تفوق قدرات الطبقة المتوسطة التى تآكلت مدخراتها وقوتها الشرائية فى ظل عدم تحسن مستويات دخولها.. فما حال محدود الدخل أو الفقير.. إذا كان هذا هو حال الطبقة المتوسطة.
فاذا نظرنا إلى دولة مثل المانيا عندما يرغب شخص ما فى تأجير وحدته أو بيع عقار بسعر أعلى من مثيلاتها فى ذات المنطقة المعروف فيها النطاق السعرى للوحدات كحد اقصى أو كحد أدنى.. تجد الجهاز الرقابى يتدخل لمعرفة ما الذى يميز تلك الوحدة عن باقى الوحدات فى ذات المكان ليجعل منها تفوق مثيلاتها فى الثمن.. وبالتالى إذا ثبت عدم وجود ما يميزها يتهم صاحب تلك الوحدة الراغب فى بيعها بالغش والتربح بل ويفرض عليه غرامات.. إذا أن هناك رقابة على نسب الزيادة ليس فى العقار بل فى كافة المنتجات.. نتيجة لوجود أجهزة رقابية صارمة لا تتهاون ضد أى محاولة لاستغلال المواطن.
أضف إلى ذلك يلزم أصحاب العقارات بالصيانة والحفاظ على الشكل الخارجى للعقار دون الضرر بالطابع المعمارى للمكان أو أصل العقار.. كل فترة زمنية.. لضمان الذوق العام والحفاظ على أرواح الناس.. ويتم التفتيش على ذلك دوريا أو التحرك تجاه أى شكوى فى هذا الصدد.
أيضا يجب أن تنظر الأجهزة الرقابية إلى عقود الإذعان التى يصيغها المطورون العقارين عند ابرام عقود شراء الوحدات السكنية.. وبالتالى لابد من إضافة قطاع العقارات والوحدات السكنية كغيرها من السلع لقانون حماية المستهلك واختصاص الجهاز بحماية المواطن أيضا من بطش واستغلال وعدم التزام الشركات العقارية سواء كانت كبيرة أو صغيرة.. والتى من خلالها تضيع الحقوق واللى مش عاجبه.
بالإضافة إلى أهمية نشر وتنظيم ثقافة التعويض compensation culture التى توجد فى البلاد المتقدمة حفاظا على حقوق المواطن إذا ما وقع الضرر عليه وثبت ذلك لدى المحاكم التى لا تتهاون فى الحقوق وتنفيذ الأحكام.. وهو ما يتطلب من ناحية إصلاح المنظومة القضائية ومنظومة تنفيذ الأحكام أيضا لتواكب أفضل التجارب الدولية فى هذا الشأن.. وهو أمر تعرضنا له فى مقالة سابقة بشأن إصلاح نظام التقاضى وتنفيذ الأحكام..
إن المواطن أو الشعب هو أساس الدولة.. والعقد الاجتماعى بين الدولة والشعب منذ قديم الازل فى تفويض السلطات للدولة لتنوب عنه فى إدارة الدولة ومصالح الشعب.. ودور الدولة الرقابى حتى فى اعتى الرأسماليات المتقدمة فى العالم ركيزة أساسية لم تتغير.. ومن غير هذا الدور الرقابى ستسود الفوضى ويعم الاستغلال..
نحن لسنا ضد حرية التجارة وحركة رؤوس الأموال ولكن ضد الاستغلال الفاحش لحرية الأسواق… فللحريات حدود وقواعد تراقبها الدولة والأسواق وكافة اطراف المجتمع وهو ما يحدث فى دول العالم المتقدم الذى يطبق الرٍأسمالية وحرية الأسواق وحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وحماية المستهلك… فالدول تتدخل لضبط الأسواق بل وتدخلت لانقاذ القطاع الخاص من الانهيار فى بعض الأزمات مثلما حدث فى أمريكا فى أزمة الرهن العقارى فى 2008 التى ترتب عليها إفلاس العديد من الشركات والبنوك..
فالدولة هى رمانة الميزان بين كافة الأطراف المعنية بحركة الأسواق..
إن حملة خليها تصدى ستزيد الوعى لدى العديد من فئات المجتمع لتطبيقها على سلع أخرى فى حالة ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة والبحث عن بدائل ستصيب من يستغل أو من لا يستجيب لحالة الحراك الحيوية والصحية هذه فى مقتل لأنها تعبر أيضا عن عرض وطلب.. فعزوف الناس عن سلعة ما سيزيد من عرضها وبالتالى سيجبر صاحب السلعة على تخفيض ثمنها حتى لا تتراكم لديه وتزيد خسائره..
وفى الآخر هذا الكلام فى صميم الاقتصاد.. عرض وطلب وتحليل سلوك الأفراد جماعيا تجاه ارتفاع الأسعار.. ودور الدولة فى ضبط الأسواق..
وما نبغى إلا إصلاحاً وتوعية..
بقلم: إبراهيم مصطفى
خبير اقتصاد واستثمار وتطوير أعمال