سجلت خطط الإصلاحات الشاملة الخاصة بالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بداية قوية بعد فوزه فى الانتخابات الرئاسية عام 2017، ولكنها سرعان ما واجهت بعض الصعوبات نهاية العام الماضى إثر اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة بسبب الضرائب على الوقود كما انخفضت شعبية الرئيس الفرنسى.
ويبدو من المشجع أن يرى الجميع اجتهاد الحكومة الفرنسية فى مهمة التحديث الاقتصادى والمؤسسى، مع اقتراب ماكرون من منتصف فترة ولايته البالغة خمسة أعوام.
وأوضحت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية فى مقال نشرته عبر موقعها الإلكترونى، أن هناك ثلاث مبادرات ضمن برنامج الإصلاح المعاد تنشيطه، حيث تغطى تلك المبادرات تأمينات البطالة ونظام التقاعد والإدارة العامة.
وكانت فرنسا بحاجة إلى مثل هذه الإصلاحات على مدى أكثر من عقدين، ولكن أسلاف ماكرون الأربعة فى قصر الإليزيه، فرانسوا ميتران وجاك شيراك ونيكولا ساركوزى وفرانسوا أولاند، كانوا يفتقرون إما إلى الثقة أو المهارات السياسية اللازمة لمواصلة تلك الإصلاحات.ومع ذلك، إذا نجح ماكرون فى تنفيذ خططه، فإن سجل إصلاحاته الهيكلية سيكون أكثر إثارة للإعجاب من السجلات اﻷخيرة لكل من ألمانيا وإيطاليا، وهما اثنان من أكبر الاقتصادات فى منطقة اليورو المؤلفة من 19 دولة.
ويعد إصلاح نظام تأمينات البطالة فى فرنسا الأقل إثارة للجدل والأسهل تنفيذاً ضمن المبادرات الثلاث، حيث تهدف المبادرة إلى معاقبة أرباب العمل فى بعض الصناعات الخدمية، مثل الأغذية الزراعية والبلاستيك والمياه والنفايات، الذين يُعتقد أنهم يلجأون بإفراط إلى عقود العمل قصيرة الأجل.

وفى الوقت نفسه، سيؤدى الإصلاح إلى خفض مدفوعات البطالة، خاصة بالنسبة إلى أصحاب الدخول المرتفعة، بجانب أنه سيشدد بشكل متواضع إمكانية الحصول على مزايا تأمينية للأشخاص الذين يفقدون وظائفهم.
وتتوقع الحكومة تحقيق صافى وفورات يصل إلى 3.4 مليار يورو بحلول نهاية عام 2021 من هذه الإصلاحات، ولكن الفوز الأكبر سيتمثل فى احتمالية تسجيل نمو اقتصادى أكبر على المدى الطويل فضلاً عن تحقيق سوق عمل أكثر تنظيماً وفعالية، مما يساعد فى انخفاض معدلات البطالة المرتفعة فى فرنسا، خاصة بين الشباب.
وتشكل إصلاحات نظام المعاشات والإدارة العامة المخطط لها تحديات جسيمة، حيث يريد ماكرون استبدال خطط المعاشات التقاعدية المنفصلة التى توفر تقاعداً ممول بسخاء فى سن مبكرة نسبياً، بمخطط واحد فقط يسمح للأفراد العمل لفترات أطول قبل استحقاق المعاش التقاعدى بشكل كامل.
ومن المؤكد أن هذا الاقتراح سيواجه معارضات كثيرة، وسيعيد إلى اﻷذهان فشل آخر محاولة جادة لفرنسا لإصلاح نظام التقاعد والضمان الاجتماعى فى عام 1995.
وأفادت «فاينانشيال تايمز» بضرورة مضى الحكومة الفرنسية قدماً رغم الرياح المعاكسة الاقتصادية التى تخاطر بإثارة السخط الشعبى، فقد وصلت نسبة نفقات القطاع العام فى العام الماضى %56.5 من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يزيد بكثير عن متوسط منطقة اليورو البالغ %47، كما أن الإنفاق بمثل هذه المستويات يحول دون تحقيق استثمار جيد ويصعب خفض مستوى الدين العام الفرنسى، الذى تضاعف خلال 25 عاماً فقط إلى نحو %100 من الناتج المحلى الإجمالى.
ونادراً ما يتمتع الرؤساء الفرنسيون بفرصة جيدة، كتلك التى يحظى بها ماكرون اليوم، لتبني إصلاحات طويلة اﻷمد، ولكن ينبغى العلم أن فرنسا وأوروبا سيكونان الفائزين الأساسيين إذا نجح ماكرون فى إصلاحاته الهيكلية.
وأيدت محكمة النقض الفرنسية، الشهر الماضي، بندًا رئيسيًا فى إصلاحات ماكرون لقانون العمل بالبلاد.
وأصدرت المحكمة حكمًا بأن الأسقف الجديدة للتعويض عن الفصل الجائر للعمال تتوافق مع القانون الأوروبى والدولى.








