لا يزال الاقتصاد الهندى يسير فى طريق التباطؤ، إذ انخفض المؤشر الشهرى للإنتاج الصناعى خلال سبتمبر الماضى، إلى أدنى مستوى فى 8 سنوات، ليتراجع بنسبة تزيد على %4.
ووفقًا للبنك المركزى الهندى، انخفض نمو الائتمان المصرفى للصناعات، فى الشهر نفسه إلى %2.7، وهو أدنى مستوى خلال عام.
ورغم أن بيانات قطاع الخدمات أفضل قليلاً، إلا أنها سجلت أيضًا أدنى مستوياتها منذ عامين.
وليست لدى الاقتصاديين ثقة كبيرة فى أن الأمور ستتغير من تلقاء نفسها، ولكن تحتاج الحكومة بشدة إلى إنعاش الاستثمار. وتتمثل الطريقة الوحيدة للقيام بذلك فى تبنى شيء تم تجنبه حتى الآن، وهو إجراء إصلاحات حقيقية.
ويمكن للمسئولين أن يقولوا بصدق، إنهم نفذوا الكثير من الإصلاحات منذ تولى رئيس الوزراء ناريندرا مودى، السلطة لأول مرة عام 2014.
وخلال فترة ولاية «مودى» الأولى، سنت الحكومة قانونًا جديدًا للإفلاس، وفرضت ضريبة على السلع والخدمات على مستوى البلاد، وعملت على إعادة رسملة وتوحيد البنوك المملوكة للدولة.
وفى سبتمبر الماضى، خفضت الحكومة معدلات ضريبة الشركات من %30 إلى %22 للشركات الحالية، و%15 فقط للشركات الجديدة. وهذا يجعل الهند قادرة على المنافسة مع باقى آسيا.
كما أعلنت عن إجراءات تحفيزية للقطاع العقارى المتعثر، وكشفت النقاب عن تيسيرات جديدة للمصدرين.
ويفضل رئيس الوزراء، بوضوح، اتباع نهج تدريجى للإصلاح، وهو ما يقلل من فرص رد الفعل السياسى، إذ ينبغى عليه أن يخشى مؤيديه أكثر من المعارضة الضعيفة بشكل جذري.
إن الأصوات المؤثرة داخل «بهاراتيا جاناتا» الحزب الحاكم والذى ينتمى إليه مودى، والشركات التابعة له، تعارض بشدة الصفقات التجارية الشاملة مثل الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية وخصخصة المؤسسات المملوكة للدولة.
ورغم أن هذه الإجراءات مفيدة، إلا أنها ليست قوية بما يكفى لإحياء الروح المعنوية للمستثمرين الهنود والأجانب، إذ إن مشاكل الهند عميقة للغاية.. ولذلك تراجعت الفوائد من الإصلاحات المحدودة التى أجريت فى التسعينيات وأوائل الألفية الثانية.
وتسعى الهند لتصبح أكثر تكاملاً مع الاقتصاد العالمى،و وقعت اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول جنوب شرق آسيا واليابان.. الأمر الذى يبرز افتقارها إلى القدرة التنافسية.
وقد يجد المستثمرون بما فى ذلك الهنود الذين لديهم خيارات أكثر الآن بسبب التحرير الكبير لحساب رأس المال، أن الاستثمار فى أماكن أخرى فى آسيا أمر أكثر ربحية.
وينطبق هذا بشكل خاص على التصنيع والخدمات أيضًا، حتى فى مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات، إذ كانت الهند ذات يوم مكانًا أقل جاذبية لممارسة الأعمال التجارية.
بالطبع، هناك أبعاد متعددة لهذا التحدى.. ولذلك تم حل مشكلة ضرائب الشركات. ولكن ما لم تنخفض تكلفة رأس المال واليد العاملة وتكلفة تملك الأراضى، فلن تتحسن القدرة التنافسية الإجمالية للاقتصاد لتحفيز اهتمام المستثمرين.
أصبحت الإصلاحات المطلوبة لمعالجة هذه المشاكل معروفة الآن، إذ يجب إصلاح سوق رأس المال من خلال خصخصة اثنين على الأقل من أكبر البنوك المملوكة للدولة.
ويتطلب سوق العمل، قوانين أكثر مرونة من شأنها إقناع الشركات باستخدام العمال الهنود بسبب انخفاض أجورهم بدلاً من رأس المال المكلف.
وإذا وفرت الصين ومنافسون آخرون، الأرض للصناعة مجانًا، فلن تتمكن الهند من امتلاك نظام، ويتعين دفع مضاعفات ضخمة من سعر السوق مقابل الأرض. وسينبغى بيع كل من شركات القطاع العام الفاشلة والناجحة.
وفى الوقت الحالى، رغم الإجراءات الحديثة المؤيدة للأعمال، فإن الحكومة ترسل إشارات متضاربة تقف عائقًا أمام عدد كبير من الإصلاحات المحلية.
وقد يؤدى هذا الانطباع إلى تقويض الإصلاحات التى تم إجراؤها بالفعل، وردع المستثمرين الأجانب بشكل خاص، وتعزيز الحلقة المفرغة التى تؤدى إلى انخفاض النمو.
إن حزمة الإصلاحات الضخمة الكبيرة ممكنة أكثر مما تعتقد الحكومة، إذ يمكنهم قضاء الشهرين المقبلين قبل وضع الميزانية الجديدة فى خطط موثوقة، بالتشاور مع قطاع الأعمال والمجتمع المدنى وحكومات الولايات.
وفور الكشف عنها، لا يلزم تنفيذ جميع التغييرات دفعة واحدة.. بل يكفى اتباع نهج تجريبى لأكثر من 12 إلى 18 شهرًا لاختبار جدية الحكومة وطوحاتها.
وبحلول ذلك الوقت، يجب أن يتمتع حزب «بهاراتيا جاناتا» بأغلبية واضحة فى البرلمان، لتسهيل تمرير مشاريع القوانين .
لا يزال مودى، يتمتع بشعبية كبيرة، ويمكنه الادعاء بأنه حقق بالفعل معظم الأجندة الاجتماعية الاصلاحية بالفعل.
ولكن لكى تُعتبر حكومته تحويلية حقًا، ينبغى عليها أن تعيد إحياء النمو الاقتصادى وتضعه فى مسار أعلى خلال العقدين المقبلين،إذ لم تعد هناك أى أعذار للتأخير.
بقلم: ديراج نيار، صحفي في نيودلهي وكاتب مقال لدى وكالة “بلومبرج” الأمريكية
كتب: محمد رمضان
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”
