يبدو أن خطط الأرجنتين لإعادة هيكلة أكثر من 100 مليار دولار من ديون القطاع الخاص، وقعت في حالة من الفوضى بعد تفشي وباء كورونا المميت، الذي يهدد أيضا بإغراق اقتصاد البلاد المتعثر بالفعل، في ركود أعمق.
ورغم تحذيرات المحللين، من إمكانية تأثير الأزمة التي ضربت الاستثمارات العالمية، على الدائنين، وجعلهم أقل استعدادا لتقديم تنازلات، إلا أنها قد تشجع الحكومة أيضا على التوجه نحو صفقة أكثر صرامة، مما يزيد فرص التعثر العشوائي في سداد الديون.
وهذة التحذيرات، قد تشكل أيضا فرصة بالنسبة لحكومة الرئيس ألبرتو فرنانديز اليسارية الجديدة، مما يوفر سببا للهرب من الموعد النهائي الذي حددته لنفسها- يعتبر على نطاق واسع غير واقعي- للتوصل إلى اتفاق مع الدائنين بحلول نهاية مارس، وفقا لما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ركود اقتصادي للعام الثالث على التوالي
وتعاني الأرجنتين، الآن، من ركود اقتصادي للعام الثالث على التوالي، إذ وصل معدل التضخم إلى نحو 50%، بعد أن تسببت أزمة العملة في خروج الاقتصاد عن مساره عام 2018، مما دفع البلاد لاتخاذ إجراءات تقشفية والحصول على حزمة إنقاذ بقيمة 57 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
ويتوقع المحللون، انكماش اقتصاد البلاد بنسبة تصل إلى 3% هذا العام، مما يجبر الحكومة على إعادة التفكير في استراتيجيتها والتركيز على المشكلة الأكثر إلحاحًا المتمثلة في وضع حد للركود العميق.
كما أن الحكومة الأرجنتينية أعلنت الأسبوع الماضي، عن حزمة تحفيز مالي تقدر بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويوم الجمعة قبل الماضي، شهدت البلاد، إغلاقا كاملا، بعد أن أعلنت 266 حالة إصابة بفيروس كوفيد-19 ووفاة 4 أشخاص.
وقال وزير الاقتصاد الأرجنتيني، مارتن جوزمان: “من الواضح أننا نعيش أوقاتا تتسم بقدر كبير من عدم اليقين، وهو أمر يجب مراعاته”، مشيرا إلى أن الأرجنتين أجرت بالفعل تعديلات ضخمة على الإنفاق المالي، ولكن لا مجال في المدى القصير لمواصلة هذه الديناميكية.
وحتى وقت قريب جدا، كان يُنظر إلى أولويات الأرجنتين على نطاق واسع، على أنها مجرد إبرام صفقة مع الدائنين بأسرع وقت ممكن، خصوصا أن هذه المفاوضات كانت تعيق التقدم في باقي برامج الحكومة، ولكن تفشي الفيروس غير الحسابات تماما.
فرص التخلف عن السداد أصبحت أعلى من أي وقت مضى
وقال الخبير الاستراتيجي في بنك “بي.تي.جي باكتيوال” الاستثماري البرازيلي، أليخو كوستا، إن فرص حدوث تخلف كبير في سداد الديون أصبحت أعلى من أي وقت مضى، مشيرا إلى أن التكلفة السياسية للتخلف عن السداد في الأرجنتين أقل بكثير مما كانت عليه قبل بضعة أسابيع.
وأوضح أن الحكومة بإمكانها الآن تبرير الموقف الأكثر صرامة مع الدائنين، بالنظر إلى حاجتها إلى توجيه مواردها المحدودة نحو تخفيف الأزمة الحالية.. لكن الضربة التي تلحق باستثمارات الدائنين في العالم ستجعل من الصعب عليهم قبول انخفاض كبير في قيمة سنداتهم.

أضاف كوستا، أن رفض وزير الاقتصاد الأرجنتيني مارتن جوزمان، المتشدد تجاه أسعار الفائدة المرتفعة من أجل ضمان استدامة ديون الأرجنتين، كان غير واقعي على الإطلاق بالنسبة لسندات البلاد المقومة بالعملات الأجنبية، مضيفا أن أسعار الفائدة، التي يضطر المستثمرون إلى قبولها على الديون المحلية المعاد تدويرها، والبالغة نحو 2%، بمثابة علامة مقلقة لما قد تحاول الأرجنتين تأمينه لديونها الخارجية.
وذكر أن معظم المستثمرين، على استعداد لإعطاء الأرجنتين الوقت لمعرفة كيف تسير الأمور، وربما يمتد هذا الوقت حتى 2023 أو 2024.
ولكن هناك كثير من التردد في قبول خفض قيمة رأس المال، مشيرا إلى أن العديد من الدائنين سيوافقون على إطالة آجال الاستحقاق وانخفاض أسعار الفائدة، التي تزيد في بعض الحالات على 40%.
وحذر أحد الدائنين الدوليين من شعور المستثمرين بإحباط كبير من موقف الحكومة، التي كانت تفتقر للتواصل معهم منذ تولي ألبرتو فرنانديز مقاليد الحكم في ديسمبر الماضي، قائلا إن الحكومة لا تزال غير مدركة حاجتها للانخراط والتعامل مع حملة السندات.
أضاف أن الحكومة تبدو وكأنها تخطط لعرض يسير بمبدأ “اقبل أو أرفض”، والذي سيتم رفضه بالتأكيد، ثم يسير الأمر تجاه حرب الخنادق لمحاولة التقريب بين الجانبين، ليعتقد بذلك جوزمان أنه اخترع طريقة جديدة لإعادة هيكلة الديون السيادية، ولكن الأمر لا يسير على هذا النحو.
ومع ذلك، يكمن الخطر في أن الأرجنتين ستشهد من جديد التجربة المؤلمة التي أعقبت آخر تخلف عن سدادها للديون السيادية الرئيسية في عام 2001، عندما رفض العديد من الدائنين عرض إعادة هيكلة الديون في عام 2005، وهو ما أدى إلى معركة قانونية ملحمية مع الدائنين الساخطين، لم يُضع لها حد إلا بعد التوصل إلى تسوية بين الطرفين عام 2016.
وأحرزت الحكومة بعض التقدم وأعادت هيكلة نحو 4 مليارات دولار من السندات المقومة بالبيزو الأرجنتيني، إذ يمثل الدين المحلي الجزء الأكبر من التزامات السداد هذا العام، ولكن لا يزال من غير الواضح كيف ستعمل البلاد على إصلاح تحديات الديون الخارجية.
وقال الشريك في شركة “دلفوس إنفستمنت” في بوينس آيرس، سانتياغو لوبيز ألفارو، إن الحكومة الأرجنتينية بإمكانها تأجيل اتخاذ قرار وتقديم عروض بشأن هيكلة الديون لبضعة أشهر، في ظل كل هذه الضوضاء التي شهدتها الأسواق بسبب كوفيد-19، ولكن هذه الخطوة مجرد قرار سياسي.








