من المفارقات أن هذا العام المروع، يمكن أن يكون عاماً جيداً بالنسبة لما يطلق عليه خبراء الاقتصاد «التقارب»، ويحدث هذا عادة عندما تنمو الاقتصادات الفقيرة بشكل أسرع من نظيراتها الغنية، مما يضيق فجوة الدخل بينهما، ولكن هذا العام سيكون مختلفاً بعض الشىء، إذ سينمو القليل من الأسواق الناشئة، ربما الصين ومصر وفيتنام، لكن فى ظل احتمالية تراجع الاقتصادات المتقدمة بشكل أسرع، فإن الفجوة بين تلك الاقتصادات ستضيق.
وفى ظل تفشى وباء «كوفيد19-» الذى يعتبر مثل سباق 400 متر، تذهب الأمجاد لكل من يتباطأ على الأقل.
كانت المرة الأخيرة التى حدثت فيها مثل هذه الفجوة الحاسمة فى النمو بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة عام 2013، حيث ظهرت نوبة غضب، وهى موجة بيع فى الأسواق الناشئة مدفوعة بمخاوف من اتجاه الولايات المتحدة لإبطاء وتيرة التيسير النقدي.
كان عام 2013 نهاية عقد من التفاؤل القوى بالأسواق الناشئة، ويرمز للحماس تجاه «بريكس»- وهو اختصار صاغه مصرف «جولدمان ساكس» لعدد من الدول- مما ساعد فى بيع العديد من المستثمرين فى 4 من أكثر الأسواق الناشئة اكتظاظاً بالسكان، وهى البرازيل وروسيا والهند والصين.
وذكرت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية، أن فكرة نمو الاقتصادات المتخلفة بشكل أسرع من الاقتصادات الناضجة أوضحها المؤرخين الاقتصاديين، مثل ألكسندر جيرشينكرون للمرة الأولى فى الخمسينيات، ثم موسيس أبراموفيتز فى السبعينيات، حيث ترتكز هذه الفكرة على افتراض أن التقليد أسهل من الإبداع، وأن عوائد الاستثمار عالية، حيث تندر رؤوس الأموال.
كان الدليل على النمو السريع ضعيفا بين السبعينيات وبداية التسعينيات، لكنه أصبح أقوى منذ ذلك الحين، كما أشار بقوة كل من ديف باتيل، من جامعة هارفارد، وجوستين سانديفور، من مركز التنمية العالمية، وأرفيند سوبرامانيان، من جامعة أشوكا.
وعند الإفصاح عن التوقعات الخاصة بدول «بريكس»، اعتمد «جولدمان ساكس» على نسخة حذرة من هذه الفرضية، تسمى «التقارب الشرطى»، حيث تقول تلك الفرضية أن الدول الفقيرة ستنمو أسرع من نطيراتها الغنية، وستكون الأمور الأخرى متساوية.
وتشمل تلك الأمور- بالنسبة لجولدمان- مستوى التعليم فى الدولة وانفتاحها على التجارة وانتشار استخدام الإنترنت وعشرة خصائص أخرى، ووفقاً لستيفن دورلاوف، من جامعة شيكاغو، وبول جونسون من كلية فاسار، والاقتصادى المستقل جوناثان تمبل، حدد الباحثون 145 عاملاً منطقياً يجب وضعه بعين الاعتبا، وتشمل القائمة كل شيء، بداية من التضخم والاستثمار الأجنبى المباشر إلى الطقس البارد وقراءة الصحف.
وافترض «جولدمان ساكس»، أن الاقتصادات الناشئة ستلحق بحدود الإنتاجية التى تمثلها الولايات المتحدة. وفى الواقع، تأتى بعض أفضل الأمثلة على التقارب من داخل الدول أو التكتلات الاقتصادية، إذ تميل المحافظات اليابانية الفقيرة إلى اللحاق بالمقاطعات الأكثر ثراءً، كما فعلت المقاطعات الكندية والولايات الهندية ومناطق أوروبا.
وإذا كانت قوى التقارب تعمل داخل هذه الكتل، فمن المناسب إثارة تساؤلات عما إذا كانت هناك تجمعات أخرى من هذا القبيل، وهل هناك نوادي- سواء كانت غنية أو فقيرة- يجتمع أعضائها؟
وفى كتاب جديد بعنوان «الإنتاجية العالمية: الاتجاهات والمحركات والسياسات»، استخدم البنك الدولى خوارزمية لفرز مجموعات عديدة من الدول بحثا عن مجموعات يبدو أنها تتقارب مع بعضها البعض.
وبناءً على أداء الإنتاجية الخاص بـ 97 اقتصاداً منذ عام 2000، حدد البنك الدولى 5 مجموعات، تتضمن المجموعات الـ3 الأكثر كآبة من الدول الفقيرة إلى حد ما. أما المجموعة الرابعة تضم بعض الدول ذات الإمكانيات الكبيرة غير المحققة، مثل الأرجنتين والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك وجنوب أفريقيا.
وتضم المجموعة الأكثر نجاحاً جميع الاقتصادات المتقدمة الحالية، بالإضافة إلى 16 سوقاً ناشئاً، مثل الصين والهند وماليزيا وتايلاند وفيتنام.
وأشارت المجلة إلى أن الأعضاء الأكثر فقراً يميلون إلى النمو بشكل أسرع من الأثرياء، وبوتيرة تحد من فجوة الإنتاجية بينهم إلى النصف كل 48 عاماً.
ويبلى معظم أعضاء المجموعة العليا من الدول بلاءً حسناً فيما يتعلق بمقياس التعقيد الاقتصادى الذى طوره الاقتصاديان ريكاردو هاوسمان وسيزار هيدالجو، فقد استطاعت الدول جنى درجات عالية إذا كانت صادراتها انتقائية وحصرية على حد سواء، وتشمل مجموعة متنوعة من المنتجات التى يصدرها عدد قليل من الدول الأخرى.
ويشعر مؤلفو الكتاب الخاص بالبنك الدولى، بالقلق من أن جائحة «كوفيد19-» بإمكانها تثبيط الاستثمار وتقصير سلاسل الإمداد وتوليد الانعزالية، مما قد يعيق التقارب الاقتصادى، لكنهم لاحظوا أيضاً بعض الجوانب الفضية المحتملة، فالأزمات، على سبيل المثال، يمكن أن تشجع الإصلاحات الهيكلية ويمكن أن يؤدى الافتقار إلى الحفاظ على رأس المال القديم خلال الأوقات الحالكة، إلى تسريع استبداله بأحدث التقنيات فى التعافى.
وأدرك رواد نظرية التقارب أن أى بلد لا يمكن أن يستغل التطورات الصناعية بشكل كامل إذا تمسك بالأنماط العرفية للإنتاج والاستهلاك، وهو ما أطلق عليه عالم الاجتماع ثورستين فيبلين «مخطط العمل المتعارف عليه».. لهذا السبب أصبح من المعتقد أن الحرب والاضطرابات السياسية قد تكون بمثابة تجربة تطهير تفتح الطريق لرجال جدد ومنظمات جديدة وأنماط عمل جديدة.