ثمة قول مأثور في الأسواق المالية، مفادة أنه حال الاندفاع نحو الذهب يتعين على المرء ببساطة بيع الفؤوس.
وظهرت الحكمة وراء هذا المثل – الذي يقول إنه من الأفضل أن تصنع أموالا من خلال تفاؤل الأشخاص الآخرين بدلا من أن يجتاحك هذا التفاؤل أيضا ـ في السوق الأسبوع الحالي مع تمتع صناع السوق بتأثيرات نوبة تداول الأفراد على منصة “ريديت”.
وأظهر مستخدمو منصة التواصل الاجتماعي “WallStreetBets” عبر “ريديت” قدرتهم على إرسال أسهم شركات مثل “جيم ستوب”، وهي متجر أمريكي لبيع ألعاب الفيديو، “إلى القمر” على حساب صناديق التحوط التي باعت أسهم الشركة على المكشوف، وهو ما ساهم في وقوع أزحم أسبوع في سوق عقود الخيارات على الإطلاق.
ويبدو أن شركات مثل “سيتادل سيكيوريتيز”، التي تنفذ أوامر الشراء والبيع نيابة عن منصة تطبيق “روبن هود” للتداول المجاني، كانت من بين أكبر المستفيدين من هذه الأحداث.
وتساعد أحجام التداول الأعلى هؤلاء الذين يتربحون من تنفيذ هذه التداولات، ورغم تراجع أسهم “جيم ستوب” بحدة منذ وصولها لأعلى مستوى، فإن أسعار أسهم “فيرتشو سيكويريتز”، شركة صناعة السوق الوحيدة المدرجة في البورصة، لا تزال مرتفعة بحدة، وشهدت “روبن هود”، وغيرها من تطبيقات التداول مثل “إي تورو” و”ترايدينج 212″ اهتماما متزايدا، وسجل بها عشرات الآلاف من المستخدمين الجدد، وتجد تلك الشركات نفسها غارقة في وضع سيء.
وحظرت “روبن هود”، وبعض نظرائها، على المستخدمين شراء مزيد من أسهم “جيم ستوب”، كما طالبت غرف المقاصة – التي تضمن أن تبادل النقدية والأوراق المالية بطريقة منظمة – من شركات التداول زيادة الأموال كضمان.
ووصف مستخدمو “ريديت”، وحتى بعض المشرعون مثل اليكساندريا أوكاسيو كورتز، والسيناتور تيد كروز، هذا الإجراء بأنه يشير إلى ظلم أساسي في الأسواق، وقالوا إن اللاعبين في “وول ستريت” يحمون بعضهم البعض من خلال منع اللاعبين الخارجيين – المستثمرين الأفراد – من التفوق على صناديق التحوط، ولكن لا توجد كثير من الدلائل على هذا الإدعاء.
ففي النهاية ، يريد صناع السوق تشجيع النشاط، أما الواقع فليس سهلا. ويعني نجاح “روبن هود” أنها تحتاج أن تلعب بنفس قواعد اللاعبين الكبار.
ويتعين عليها التطور سريعا للامتثال لقواعد ما بعد الأزمة المالية العالمية التي تستهدف جعل النظام المالي أكثر سلامة، ولا يوجد منقب عن الذهب مقتنع بأنه سيجد الذهب قريبا يريد أن يخبره أحد أنه من غير المسموح له بالحصول على فأس، ومع ذلك، فقد تعلم المشرعون بالطريقة الصعبة أن التفاؤل الذي يدفع الأسواق لأعلى يمكن أن يتحول سريعا إلى خوف يؤدي إلى تدافع مدمر للخروج من السوق، ومع ذلك، لا يزال هناك منطق لأن ينظر الكونجرس مجددا في طريقة عمل الأسواق.
وربما تكون الإصلاحات قد جعلت البنوك أكثر أمنا.. ولكن يزعم النقاد أنها نقلت المخاطر لأماكن أخرى في النظام المالي، وأدت مطالبة البنوك باشتراطات رأس مال أعلى إلى جعل التداول أقل جاذبية، وبالتالي أصبحت المؤسسات المنتشرة مثل “سيتادل سيكيوريتيز”، التي تجني ربحا من الفروق البسيطة بين أسعار البيع والشراء، تلعب دورا أكبر بكثير.
وعلاوة على ذلك، تعد شركات المقاصة هامة أيضا ولأسباب وجيهة، فقد كان عدم قدرة بنك “ليمان براذرز” على الاستفادة من أعمال التداول، هي السبب في تحول انهيار البنك إلى أزمة مالية كاملة في 2008.
وعندما ترتفع التقلبات، تأتي السيولة بتكلفة أعلى، وهو ما اكتشفته تطبيقات التداول.
وثمة مخاطر نظامية أقل من الأحداث الجارية بين المستثمرين الأفراد وصناديق التحوط، ولكن ينظر لهذه المشكلات بمزيد من القلق خصوصا خلال المرحلة الأولى من وباء فيروس كورونا عندما وجد المتداولون أنفسهم يدفعون أكثر بكثير لمجرد بيع وشراء السندات الحكومية الأمريكية.
ولجأ “الاحتياطي الفيدرالي” حينها إلى إغراق النظام بالسيولة، كما فعل أثناء اضطرابات أسواق سندات الخزانة والريبو في سبتمبر 2019.
وينبغي أن يتضمن أي تحقيق من قبل الكونجرس التركيز بقدر أقل على نظريات المؤامرة حول “روبن هود” وبقدر أكبر على المخاوف الحقيقية المتعلقة بكيفية عمل الأسواق.
افتتاحية صحيفة “فاينانشال تايمز”.