يبدو أن النظرة الاقتصادية المشرقة لأوروبا، مع ظهور اللقاحات المضادة لكورونا، تعمل أيضا على تسريع الجدول الزمني نحو خطر جديد.
فبينما يستعد المستثمرون للنمو الاقتصادي، فإنهم يستعدون أيضا للنتيجة الحتمية، وهي سحب التمويل الطارئ للبنك المركزي الأوروبي، وهي خطوة من شأنها وضع الاقتصادات الأكثر مديونية في المنطقة- بما في ذلك إيطاليا- في مواجهة مع قوى السوق التي لا تستطيع التعامل معها.
وتستعد مجموعة “سيتي جروب” المصرفية لإجراء خفض تدريجي في شراء السندات بداية شهر يونيو، في حين تقول “إم آند جي إنفستمنتس” إن الوقت قد آن لبدء البيع على المكشوف للديون الثانوية.
ولم تكن تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو منفصلة عن المخاطر، ويرجع السبب في ذلك إلى الإجراءات الدراماتيكية التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي خلال العام الماضي.
ويتعافى جزء كبير من المنطقة، من أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل. وارتفع العجز والديون إلى مستويات مذهلة، حسبما ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”.
ومع ذلك، لا يمكن للمستثمر الذي يقرض الأموال لإيطاليا لمدة 10 سنوات أن يتوقع سوى معدل فائدة يبلغ حوالي 0.75%، بينما تأتي السندات اليونانية، التي تعتبر غير مرغوب فيه من قبل وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاثة، بفائدة تقل عن 1%.
وقبل عقد من الزمن، تسببت أزمة الديون في منطقة اليورو في ارتفاع عائداتها إلى أكثر من 40%.
وقال مدير الأموال لدى “إم آند جي إنفستمنتس”، إريك لونيرجان : “لن تحصل سوى على خلاص مؤقت من مخاطر الائتمان في السندات السيادية الأوروبية عندما تكون في حالة طارئة”.
وأضاف لونيرجان: “المشكلة تأتي عند الخروج من حالة الطوارئ، لأنك تعود بذلك إلى قوى السوق في سوق السندات الخاص بك.. وبعض هذه الأرقام تبدو سيئة حقا.. ومن المفارقات أن تكون أوروبا عرضة للتعافي”.
ويعود الارتفاع في ديون منطقة اليورو، في الغالب، إلى برنامج شراء السندات الوبائي الذي أطلقه البنك المركزي الأوروبي بقيمة 1.85 تريليون يورو ( أي ما يعادل 2.2 تريليون دولار). وقد ساعد ذلك في تعزيز أموال المستثمرين.
وخلال العام الماضي فقط، حقق حاملو السندات الإيطاليون عوائد بأكثر من 10%، وفقا لمؤشرات “بلومبرج باركليز”، كما أنهم كانوا سيضاعفون أموالهم تقريبا على مدى عقد من الزمان.
ويقول رئيس قسم الدخل الثابت لدى شركة “إيجون أسيت مانجمنت”، هندريك توتش، إن البلاد قادرة على إعادة تمويل الديون بعوائد أقل بكثير بسبب البنك المركزي الأوروبي، لذا كانت الأزمة إلى حد ما نعمة مقنعة بالنسبة لإيطاليا.
ورغم أن رئيس البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، قالت مؤخرا إنه سيكون من “السابق لأوانه” الحديث عن تخفيف الدعم، إلا أنه يوجد جدل مثار حول ما يجب القيام به وكيف يمكن أن الإقدام على هذه الخطوة.
ونقلت “بلومبرج” عن مسئولين مطلعين على الأمر، قولهم إن بعض صانعي السياسة مستعدون لإثارة الجدل في اجتماع يونيو بشأن ضرورة بدء تراجع برنامج الشراء الطارئ للوباء في الربع الثالث من العام.
ورغم كلمات لاجارد المطمئنة، فإن مثل هذا الحديث سيزيد من تركيز المستثمرين في يوم الحساب.
ودون الدعم الطارئ، سيعود التركيز إلى الديون في اليونان وإيطاليا وإسبانيا، التي تضخمت بشكل أكبر في 2020 بسبب الإنفاق الضروري على الصحة والأزمات، وما إذا كان من الممكن السيطرة عليها.
وفي الوقت الحالي، تستعد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لإنفاق الأموال القادمة من صندوق التعافي الاقتصادي الخاص بالكتلة. ومن المقرر أن تبدأ في صرف الأموال في منتصف العام الحالي تقريبا.
ويخطط رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، لإعادة هندسة الاقتصاد الإيطالي بأكثر من 200 مليار يورو من الأموال.
وكان دراجي ، يشغل منصب الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي وكان يُنسب إليه الفضل في إنقاذ اليورو خلال أزمة الديون الأخيرة.
ولكن في الوقت الذي يساهم فيه هذا التحفيز في تحقيق الانتعاش الاقتصادي، ثمة سؤال مطروح يدور حول ما إذا كان هذا التحفيز سيولد نموا مستداما قويا بما يكفي للتخلص بشكل فعال من كومة ديون إيطاليا الهائلة، والتي تقدر نسبتها حاليا بـ 160% من الناتج المحلي الإجمالي؟
وحذرت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، خلال أبريل الحالي، من أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في اليونان ستبقى فوق 200% هذا العام . وأي فشل في خفضها قد يؤدي إلى إجراء تصنيف سلبي.
وثمة سؤال رئيسي آخر، وهو متى قد يعيد الاتحاد الأوروبي فرض القواعد المالية التي تم تعليقها أثناء الوباء؟ وما الشكل الذي ستتخذه؟
وفي حين أن الوضع المالي في بعض الدول يجب معالجته، فإن الأهداف الصارمة بشكل مفرط، على سبيل المثال فيما يتعلق بالعجز، يمكن أن تلحق أضرارا أكثر مما تنفع من خلال امتصاص الحياة للاقتصادات.
وبالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، ستكون هناك معضلة أخرى أثناء التصارع مع التحدي المتأصل في منطقة اليورو، والتي تتمثل في وضع سياسة نقدية خاصة بـ 19 دولة ذات أوضاع اقتصادية وتضخم وبطالة وديون مختلفة إلى حد كبير. فإذا بدأ تشديد السياسة، فستكون الدول الطرفية هي الخاسرة، مما يجعل تمويل عجزها الهائل أكثر صعوبة.








