كان ينبغى أن يكون العام الحالى واعدا بالنسبة لأفريقيا. لكن بدلا من ذلك تواجه القارة نقصا فى الوصول إلى اللقاحات المضادة لفيروس كورونا والتى تهدد بدورها فى تفاقم الأمور.
بعد عقود من التقدم فى مكافحة الفقر بالقارة السمراء، أغرق «كوفيد19-» ما يصل إلى 30 مليون أفريقى فى حالة فقر مدقع العام الماضى، ما يعنى أنهم يعيشون على أقل من 1.90 دولار فى اليوم.
ففى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، انخفض دخل الفرد من حيث القيمة المطلقة إلى المستويات التى شوهدت لآخر مرة منذ نحو عقد من الزمان، حسبما ذكرت وكالة أنباء «بلومبرج».
وتعانى الدول الأفريقية من انخفاض معدل التطعيمات مقارنة بأجزاء أخرى من العالم، إذ أظهرت بيانات المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن القارة التى تضم 1.3 مليار شخص لم تحصل سوى على 22.4 مليون حقنة فقط اعتبارا من 12 مايو.
وتعتمد معظم القارة على «كوفاكس» (Covax)، وهى مبادرة عالمية تم إنشاؤها لتوفير الوصول العادل إلى اللقاحات، لكن الدول الأفريقية لن تتلقى الجزء الأكبر من هذه الطلبات حتى النصف الثانى من العام، وستغطى هذه الطلبات خُمس سكانها فقط.
وتأخرت الجهود المبذولة لإنتاج كميات كبيرة من جرعات اللقاح فى القارة السمراء من قبل دول عديدة، مثل الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة، التى كانت مترددة فى رفع قواعد منظمة التجارة العالمية التى تحمى الملكية الفكرية بشكل مؤقت.
وتتوقع جنوب أفريقيا، وهى أحد الدول القليلة القادرة على شراء اللقاحات الخاصة بها، أن تتلقى ما يقرب من 4.5 مليون جرعة بحلول نهاية شهر يونيو إلى كثافة سكانية تقدر بنحو 60 مليون نسمة.
كما تعتمد الدول الفقيرة، مثل زيمبابوى، على التبرعات القادمة من الصين وروسيا وحتى الهند، التى تسبب تفشى الوباء الفتاك فيها وحظر الصادرات بشكل مؤقت فى تقييد الشحنات الموجهة إلى أفريقيا بالفعل.
وهذا يترك أفريقيا عرضة لموجات جديدة من الإصابات وعمليات الإغلاق الممتدة تماما فى ظل دخول اتفاقية منطقة التجارة الحرة التى طال انتظارها حيز التنفيذ هذا العام.
وتعتبر هذه الاتفاقية خطوة أولى على الطريق نحو إنشاء اتحاد جمركى على مستوى القارة بهدف تسهيل التجارة عبر القارة.
كما تتعرض المدن ذات الكثافة السكانية المرتفعة فى أفريقيا لخطر مواجهة أزمة مماثلة لتلك التى عصفت بالهند فى شهرى أبريل ومايو.
من المتوقع أن يتوسع الناتج الاقتصادى العالمى بأسرع وتيرة فى أربعة عقود على الأقل مع عودة الدول الغنية التى تم تلقيح سكانها إلى طبيعتها، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولى.
وقالت فيرا سونجوى، الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، إن بطء طرح اللقاح فى أفريقيا ونقص التمويل قد يعيدها إلى الوراء لمدة تتراوح بين عامين إلى خمسة أعوام.
كما يقول روناك جوبالداس، مدير شركة إدارة المخاطر «سيجنال ريسك» (Signal Risk) التى تركز على أفريقيا: «إذا لم نحصل على اللقاح، فسنتخلف عن الركب فى التعافى العالمى وسنصبح قارة منبوذة».
وأضاف: «عندما يعود العالم إلى وضعه الطبيعى، سنكون فى مكانة متخلفة، وهذا من شأنه إلحاق الضرر بالنمو والاستثمار والتجارة».
على الصعيد العالمى، تحتاج الدول الفقيرة إلى تخصيص 450 مليار دولار لإعادة بناء اقتصاداتها على مدى الخمسة أعوام المقبلة وتسريع تقارب دخلها مع الاقتصادات المتقدمة، حسبما ذكر صندوق النقد الدولى، ومقره واشنطن.
وقد تحصل بعض الحكومات الأفريقية على إمكانية الوصول إلى الأموال من خلال برنامج حقوق السحب الخاصة البالغ قيمته 650 مليار دولار، الذى يخطط صندوق النقد الدولى توفيره لصالح الدول الناشئة والدل منخفضة الدخل.
وذكرت وكالة «بلومبرج» أن حكومات الدول الغنية بالموارد بإمكانها الاستفادة من القفزة فى أسعار السلع هذا العام، لكن أولئك المثقلين بعجز الموازنة ومستويات الديون المرتفعة حتى قبل الوباء قد لا يمتلكون القوة المالية لتحفيز اقتصاداتهم، رغم أن مجموعة العشرين قد وسعت مبادرة تعليق خدمة الديون لبعض أفقر دول العالم حتى نهاية عام 2021.
فى نوفمبر، أصبحت زامبيا أول دولة أفريقية تتعثر فى سداد ديونها أثناء الوباء. فقد فشلت فى دفع قسائم السندات الدولية، وقيمتها 3 مليارات دولار، بعد أن رفضت لجنة حاملى السندات الخارجية فى زامبيا، والتى تمتلك حوالى %40 من ديون الدولة، طلبا بتعليق مدفوعات الفائدة لستة أشهر، كما رفض مستشارو لجنة حملة السندات الكشف عن أعضاء هذه المجموعة.
وتأتى كل من أنجولا وإثيوبيا وغانا وكينيا وناميبيا ونيجيريا وزامبيا ضمن الدول التى تحتاج بشكل عاجل إلى خفض عجز الموازنة وإعادة الدين إلى مسار أكثر استدامة، كما يقول جبران قريشى، رئيس أبحاث أفريقيا لدى أكبر بنك فى القارة «ستاندرد بنك».
وأوضح قريشى أن التمويل الطارئ المتاح هذا العام قد يمنحهم بعض الوقت، مشيرا إلى أن الدعوات المطالبة بخفض الفجوات المالية وتباطؤ نمو الديون لن تصبح ملحة حتى العام المقبل، عندما يتم يتلقى المزيد من الأفارقة التطعيم وعند خفض مخاطر الإغلاق والقيود.
ومع ذلك، قد تمتد مأساة الوباء إلى ما هو أبعد من ذلك فى المستقبل، حيث يمكن أن تؤخر جهود مكافحة تغير المناخ، الذى يقتل ما لا يقل عن 1000 شخص سنويا فى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء ويترك 13 مليون شخص بلا مأوى أو يفتقرون إلى الغذاء والماء الكافى، وفقا لصندوق النقد.
وجدير بالذكر أن الأعاصير والفيضانات والجفاف والآثار الأخرى لتغير المناخ تكلف أفريقيا ما يتراوح بين 7 مليارات إلى 15 مليار دولار فى العام الواحد فقط.
وبحلول عام 2040، من المحتمل أن ترتفع هذه القيمة إلى نحو 50 مليار دولار، أو %3 من الناتج المحلى الإجمالى السنوى على مستوى القارة، دون الاستثمار فى استراتيجيات التكيف.








