10% حصة القارة العجوز فى عالم أشباه الموصلات
يسعى الاتحاد الأوروبى إلى دخول السباق العالمى لتصنيع أشباه الموصلات، ووضع لنفسه هدفاً شاقاً يتمثل فى مضاعفة حصته فى سوق الرقائق العالمية بحلول عام 2030.
ووضعت شركة «إنتل» الأمريكية نفسها فى قلب تلك الطموحات، إذ اقترحت بناء مصنع جديد لأشباه الموصلات فى القارة بقيمة 20 مليار دولار.
ويحظى هذا المشروع بدعم بروكسل باعتباره الخطوة الأكثر طموحاً نحو أجندة «الاستقلال الاستراتيجى» الأوسع نطاقاً، وهو محرك لخفض تعرض القارة لاضطرابات سلسلة الإمداد والمخاطر الجيوسياسية.
وبالنسبة لمسئولى الاتحاد الأوروبى، فإنَّ نقص الإمدادات الذى تعانى منه حالياً صناعة أشباه الموصلات وإعاقة الإنتاج فى قطاع السيارات الحيوى فى الاتحاد الأوروبى يؤكدان فقط الحاجة إلى اتخاذ إجراء.
كذلك الحال مع مخاطر الاعتماد بشدة على إنتاج أشباه الموصلات فى تايوان؛ نظراً إلى المخاوف المتعلقة بنوايا الصين تجاه الجزيرة وتعرضها للزلازل.
وإذا كانت الاقتصادات، بما فى ذلك الصين وكوريا الجنوبية وتايوان والولايات المتحدة، تستثمر أكثر لتجميع قطاعات أشباه الموصلات، يتساءل مفوض السوق الداخلى فى الاتحاد الأوروبى تييرى بريتون «ألا يجب على أوروبا أن تفعل الشىء نفسه؟».
ومع ذلك، فإن السؤال الذى يواجه الاتحاد الأوروبى وهو يستعد للشروع فى هذا التعهد هو ما إذا كان سينتهى به الأمر إلى تبديد مبالغ كبيرة من المال العام فى مطاردة طموحات جيوسياسية قد لا يدعمها منطق الصناعة والسوق؟
وتتمتع أوروبا بنقاط قوة تتفوق على العالم فى مجال سلسلة الإمداد المتعلقة بأشباه الموصلات، لكنها تتخلف فى الوقت نفسه بشكل كبير عن آسيا على وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بصنع الرقائق ذات الجودة العالية. ويحذر المسئولون التنفيذيون من أن تغيير تلك الصورة سيستغرق أعواماً من الجهد وكميات هائلة من المال العام، فى وقت تضخ فيه الحكومات فى آسيا والولايات المتحدة أيضاً عشرات المليارات من الدولارات من الإعانات فى هذا القطاع.
يقول بيتر هانبرى، الشريك مع شركة «باين وشركاه» المتخصصة فى تكنولوجيا أشباه الموصلات: «سيكون المشروع مكلفاً للغاية، وسيستغرق الأمر أعواماً لتطور أوروبا نوع التكنولوجيا التى يتحدث عنها السياسيون».
تعد أوروبا سمكة صغيرة نسبياً فى بحر عمالقة صناعة الرقائق، خاصة سامسونج وإنتل وشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، فهى تستحوذ على حصة سوقية تقل عن 10%، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
فى الغالب.. لا يحاول القطاع المحلى التنافس مع كبار اللاعبين الآسيويين والأمريكيين عندما يتعلق الأمر بتصنيع أكثر الرقائق تقدماً، التى تستخدم فى أجهزة الكمبيوتر والهواتف والأجهزة الأخرى المتطورة.
وبدلاً من ذلك يركز رواد السوق فى الاتحاد الأوروبى، مثل «إنفينيون» الألمانية و«إن. إكس. بى» الهولندية و«إس. تى ميكرو إلكترونكس» الفرنسية الإيطالية، على توريد الأجهزة لصناعات السيارات والطيران والأتمتة الصناعية، من بين أمور أخرى.
يجادل المدافعون عن النموذج الحالى بأنه نظراً إلى طبيعة سلسلة إمداد أشباه الموصلات العالمية، كانت أوروبا محقة فى التخصص فى مجالات قوتها بدلاً من السعى للتنافس مع أمثال شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات؛ حيث أمضت الشركة التايوانية عقوداً زمنية فى بناء موقعها المتفوق عالمياً بوصفها أكبر صانع للرقائق بموجب عقود، وتخطط لاستثمار 100 مليار دولار خلال الثلاثة الأعوام المقبلة فقط.
كما أنهم أشاروا إلى محاولات الصين الفاشلة للتنافس مع قادة العالم فى الصناعة، بحجة أن الاتحاد الأوروبى يجب أن يركز على كفاءاته الأساسية بدلاً من التفرع إلى تقنيات رائدة بتكلفة عامة باهظة.
ومع ذلك، فإنَّ المدافعين عن نهضة الاتحاد الأوروبى لأشباه الموصلات فى بروكسل يزعمون أن هذا النوع من التفكير مرضٍ تماماً، ويتهمون الشركات المصنعة الحالية فى القارة بأنها قلصت استثماراتها على مدار أعوام.
كما أعلنت المفوضية مؤخراً عن «تحالف أشباه الموصلات»، وهو شراكة بين القطاعين العام والخاص تهدف إلى تسويق التكنولوجيات الجديدة فى المنطقة.
أمن الإمدادات
سعى بريتون، المسئول التنفيذى السابق فى مجال الاتصالات، إلى وضع نفسه فى طليعة الجهود المبذولة، مجادلاً بأن الاتحاد الأوروبى لديه بالفعل نظام بيئى راسخ لأشباه الموصلات ليكون منصة لتطلعاته الجديدة.
وفى مقابلة مع «فاينانشيال تايمز»، مؤخراً، قال بريتون، إن الاتحاد الأوروبى لديه الآن فرصة فريدة مع إطلاق خطة التعافى الاقتصادى للجيل التالى من الاتحاد الأوروبى التى تبلغ قيمتها 800 مليار يورو، لتوجيه الاستثمار العام من الدول الأعضاء نحو قطاع صناعة الرقائق.
وفى الوقت نفسه، أقر بأن تفعيل الاستراتيجية يتطلب التزامات من المال العام «للعقد أو العقود المقبلة»، بحجة أن الاتحاد الأوروبى لديه بالفعل منصة هائلة يمكن البناء عليها.
وأشار إلى احتمالية استمرار التوتر الجيوسياسي، مضيفاً أن أوروبا بحاجة إلى التأكد من إمكانية ضمان أمن الإمدادات للشركات والمواطنين.
وستشمل جهود الاتحاد الأوروبى، بجانب تحالف أشباه الموصلات، الدول الأعضاء مجتمعة فى مشروع جديد يهدف إلى تسهيل الحصول على الدعم الحكومى المقدم للمشاريع الكبيرة العابرة للحدود.
وبرغم نقاط القوة المحلية التى يروج لها بريتون، تعتمد الاستراتيجية بشكل كبير على شراء الخبرات والمعرفة الأجنبية التى سيتم توفيرها على الأرجح، على الأقل فى البداية، من قبل شركة »إنتل«، ومقرها الولايات المتحدة، بالنظر إلى الكمية المحدودة من إنتاج صناعة الرقائق الرائدة فى أوروبا.
تصميم أم إنتاج؟
أثار عرض «إنتل» تدافع دول الاتحاد الأوروبى لجذب الرئيس التنفيذى للشركة بات جيلسينجر بعروض مواقع التصنيع، ودعم البحث والتطوير والعمالة الماهرة والإعانات الحكومية الضخمة.
وتسعى »إنتل” للحصول على دعم عام بمليارات اليورو لمصنعها الأوروبى الجديد.
وبرغم أنها لم تكشف عن الأرقام، فإن جريج سلاتر، المسئول التنفيذى للشئون التنظيمية، يقول إن الاتحاد الأوروبى يعانى قصوراً فى التكلفة بنسبة بين 30% و40%، مقارنة بالإنتاج فى آسيا، وإن كثيراً من الفارق يعود إلى تدنى مستويات الدعم الحكومى.
وذكرت الصحيفة أن المبالغ المتضمنة يجب أن تكون ضخمة إذا حكمنا عليها من خلال البرامج فى أماكن أخرى.
جدير بالذكر، أن كوريا الجنوبية تقدم حوافز لدفع برنامج استثمارى مدته تسعة أعوام بقيمة 450 مليار دولار من قبل صانعى الرقائق، بينما تتحدث الولايات المتحدة عن أكثر من 50 مليار دولار لصناعة أشباه الموصلات.
ليس كل المديرين التنفيذيين مقتنعين بطموحات صناعة الرقائق التى أطلقتها أوروبا حديثاً، كما أنهم يجادلون بأن المفوضية الأوروبية لم تتعلم من فشل الحملة السابقة، التى تم إطلاقها فى عام 2013، لزيادة حصة أوروبا من السوق.
فى حين أن البعض الآخر يتفق على حاجة الاتحاد الأوروبى للعمل على ما يسعى لتحقيقه، وهى مرونة أكبر فى سلاسل التوريد والسيادة التكنولوجية وحماية الأمن القومى والقدرة التنافسية.
وفى حين أن أشباه الموصلات تعد شرطاً أساسياً للتكنولوجيا الناشئة مثل الذكاء الاصطناعى والحوسبة الكمية والمركبات ذاتية القيادة، فإن الشركات الأمريكية أو التايوانية هى التى تصمم وتنتج الشرائح لهذه الوظائف المحددة.







