عادة ما تُعتبر الأزمة التي تمر بها شركة ما بمثابة فرصة لأخرى، فعلى سبيل المثال، النقص في أشباه الموصلات الذي أسهم في تعزيز تقييمات شركات مثل “إنفيديا”، التي تعمل رقائقها على تشغيل كل شيء من ألعاب الفيديو إلى التعلم الآلي ومراكز البيانات.
لكن وقت الازدهار للبائعين يعني البؤس بالنسبة للمشترين، وشركات صناعة السيارات تأتي ضمن الضحايا، التي أصبحت منتجاتها عبارة عن حواسيب تنتقل على عجلات.
وتراجعت أرباح شركة “فورد”، ثاني أكبر شركة لصناعة السيارات في الولايات المتحدة من حيث الحجم، بمقدار النصف في الربع الأخير وسط نقص عالمي في الرقائق.
ويقول محللون، إنَّ صناعة السيارات قد تصنع سيارات أقل بنحو 5 ملايين سيارة هذا العام، وهذا كله بسبب النقص الذي يعاني منه العالم في مكوناتها الأشد صغراً.
ومع ذلك، فإن شركات صناعة السيارات ليست الشركات الوحيدة التي تشعر بالضيق، بل حذرت كل من “آبل” و “مايكروسوفت” من تأثرهما بنقص الرقائق، حسبما ذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
ويعتزم السياسيون المشاركة في هذه الأزمة، أيضاً، إذ ستكون مشكلة الرقائق على جدول الأعمال في وقت لاحق من هذا الشهر عندما تزور كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، فيتنام، التي تتمتع بصناعة إلكترونيات مزدهرة.
كذلك، أعربت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها، عن أسفها على حصة أوروبا الضئيلة في إنتاج الرقائق العالمية.
يأتي النقص نتيجة الارتفاع المفاجئ في الطلب، وصناعة الرقائق عمل دوري يتحرك بين الذروة والانخفاضات ويتمتع بنمو قوي لعقود زمنية، حيث أصبح تواجد الحواسيب مهماً في كل ركن من أركان المجتمع، وهذا الاتجاه تضخم نتيجة تفشي الوباء.
كان المستهلكون الماكثون في منازلهم؛ بسبب قيود الإغلاق يتسوقون عبر شبكات الإنترنت، ويحضرون الاجتماعات عن بُعد، ويقضون ساعات طويلة في حضور خدمات بث الفيديو وألعاب الفيديو. وهذا التغير كانت نتيجته ارتفاعاً حاداً في الطلب على أشباه الموصلات التي تشغل مراكز البيانات والأدوات التي تجعل مثل هذه الأشياء ممكنة، ما يؤدي إلى تراكم الطلبيات على المصانع.
كان لهذه الأزمة ثلاث عواقب، اثنتان منها مشجعتان وواحدة أقل من ذلك. الأولى تتمثل في طفرة الاستثمار، إذ يخطط كبار المنتجين مثل “إنتل” و”سامسونج” وشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة لإنفاق مئات المليارات من الدولارات على القدرة الإضافية خلال الأعوام القليلة المقبلة. وكما هو الحال في العديد من الأسواق، فإنَّ الأسعار المرتفعة هي أفضل علاج لارتفاع الأسعار.
التأثير الثاني هو أن عملاء صناعة الرقائق يتأقلمون أيضاً، فعندما انهار الطلب في بداية تفشي الوباء، خفضت شركات صناعة السيارات طلبياتها من صانعي الرقائق. ويشير حجم صناعة السيارات ونفوذها إلى أنها تُستخدم في طلب الموردين حولها، لكن عندما تعافى الطلب، وجد صانعو السيارات أنفسهم في مؤخرة قائمة الانتظار؛ بسبب فترات الانتظار الطويلة والمنافسة القادمة من صناعة التكنولوجيا الأكبر والأكثر نفوذاً.
هذه التجربة غير السارة المتمثلة في كونك متوسلاً وليس رئيساً دفعت شركات صناعة السيارات إلى إحكام السيطرة على إمدادات المكونات الحيوية.
على سبيل المثال، أعلنت “فولكس فاجن” عن خطط لتطوير رقائق مساعدة السائق داخل الشركة، بعد اتخاذها خطوات في منافسة إطارات “تسلا”.
وتقيم شركات أخرى علاقات أوثق مع صانعي الرقائق، فهناك شركة “تويوتا” اليابانية التي نجحت في تجاوز نقص الرقائق بشكل جيد نسبياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها كانت أبطأ في خفض الطلبيات عندما تفشى الوباء.
وكان التأثير الثالث لهذه الأزمة غير مرغوب فيه، وهو اندلاع القومية التكنولوجية؛ حيث تخطط الولايات المتحدة لتوزيع مليارات الدولارات لإعادة استقطاب صانعي الشرائح الإلكترونية من شرق آسيا.
كما أن أوروبا تريد مضاعفة حصتها من الإنتاج العالمي إلى 20% بحلول عام 2030. وحتى بريطانيا أعلنت أن مصير مصنع صغير للرقائق في ويلز مسألة تتعلق بالأمن القومى.
هناك بعض القوة في الحجة القائلة بأن الرقائق أصبحت تحتل ما كان يُطلق عليه “المرتفعات الحاكمة” للاقتصاد، بالطريقة التي فعلتها مصافي البترول أو مصانع السيارات في القرن العشرين.
ومن المؤكد أن تركيز الإنتاج في تايوان، على وجه الخصوص، يمثل مخاطرة جيوسياسية مزعجة، لكن كما اكتشفت حكومات القرن الماضي، فإن الإعانات تؤدي إلى فائض في القدرات وتخمة في المعروض، وفي النهاية إلى المزيد من الدعوات للحصول على المال العام لدعم الأعمال التجارية غير التنافسية.
في الغالب، يمكن أن تكون مشكلة النقص في الرقائق مشكلة ذاتية الحل، ويجب أن تقاوم الحكومات الإغراءات حتى ترى نفسها الجهة المنقذة في نهاية المطاف.







