غرقت صناعة الطيران في روسيا في غضون أسبوع ، في أخطر أزمة مرت بها منذ عقود زمنية، إثر حظر تحليقها في مساحات شاسعة من سماء العالم وحظر وصولها إلى قطع الغيار الأساسية وتجريدها من التأمين ومكافحتها للاحتفاظ بالطائرات.
أطلقت الحكومات الغربية العنان لموجات من العقوبات منذ أن أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته إلى أوكرانيا أواخر فبراير الماضي، لكن عقوبات قليلة وجهت ضربة واضحة كتلك التي استهدفت الصناعة التي شكلت 6% من الطاقة الاستيعابية لخطوط الطيران العالمية خلال العام الماضي.
أعلنت الخطوط الجوية الروسية “إيروفلوت”، التي تسلمت أول طائراتها الغربية من شركة “إيرباص” عندما كان بوريس يلتسين في الكرملين، مؤخراً أنها ستوقف تسيير جميع الرحلات الدولية باستثناء تلك المتجهة إلى بيلاروسيا.
كما ألغت شركة “إس7″، ثاني أكبر شركة طيران في روسيا، الرحلات الجوية خارج المجال الجوي المحلي، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
قال ماكس كينجزلي جونز، من شركة “أسيند” التابعة لشركة استشارات الطيران “سيريوم”، إن أزمة صناعة الطيران المتفاقمة “غير مسبوقة وغير متوقعة ولا يمكن التنبؤ بها”.
مع عدم وضوح مدة استمرار العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حذر خبراء من أنه في أسوأ السيناريوهات، ستتقلص جداول شركات الطيران المحلية الروسية إلى مستويات لم تشهدها منذ ثلاثة عقود.
وتحظر عقوبات الاتحاد الأوروبي بيع أو نقل أو توريد أو تصدير الطائرات أو أي من مكوناتها، بينما فرضت الولايات المتحدة قيوداً على التصدير، بما فيها على قطاع الفضاء الجوي الروسي.
أشار روب ستالارد، المحلل في شركة “فيرتيكال ريسيرتش بارتنرز”، إلى أن “قطاع الطيران الروسي الآن في وضع مشابه لكوريا الشمالية وإيران، ومشابه لما جاء وقت الحكم السوفياتي”.
تعرضت شركات الطيران الروسية لهذه الضربة بينما كانت ترسم نهاية للاضطرابات الناتجة عن الوباء، فقد استبدلت توقعات حدوث انتعاش مطرد ومستدام في الطلب المحلي بتقلب شديد، على الأقل في الوقت الراهن.
في دليل على القلق، نصحت حكومات الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة مواطنيها بمغادرة البلد بينما لا تزال الرحلات التجارية متاحة.
مع ذلك، في ظل توقع الاقتصاديين أن يتجه الاقتصاد الروسي قريباً نحو ركود عميق، يستعد المسئولون التنفيذيون في مجال الطيران المحلي لانخفاض حاد في الطلب المحلي.
قال أحد المديرين التنفيذيين: “سيكون هناك بطبيعة الحال تصحيح مهم في الطلب. هناك كثير من الأسباب، بما فيها الضغط على الاقتصاد”.
رغم أن حصة الأغلبية في “إيروفلوت” تملكها الحكومة وأن شركات الطيران الأخرى قد تلجأ إلى الدولة للحصول على الدعم، قال خبراء الصناعة إن التغلب على القيود الجديدة المفروضة على الوصول إلى قطع غيار الطائرات سيثبت أنه أكثر صعوبة، فقد علقت شركتا “إيرباص” و”بوينج” مؤخراً توريد قطع الغيار والخدمات، ما أدى إلى استبعاد دعم الصيانة التي تلعب دوراً مهماً في تحليق الطائرات في الجو.
كذلك، أوقفت “بوينج”، العاملة في روسيا منذ أواخر التسعينيات، عملياتها في مجمع تدريب بموسكو، حيث يخضع آلاف الطيارين للتدريب بشكل سنوي، والتي توفر أيضاً محاكاة الطيران والصيانة وتدريب طاقم الطائرة.
وقالت شركة “إمبرير” البرازيلية، وهي مورد آخر للطائرات لشركات الطيران الروسية، إنها ملتزمة بالعقوبات المفروضة، كما أوقفت “رولز رويس” و”سفران” و”جي إي أفييشن” تقديم خدمات الدعم مؤقتاً.
قال بيتر والتر، مدير الشئون الفنية وإدارة الأصول في “أي.بي.أيه”: “نظراً لأن قطع الغيار محدودة، فإننا نتوقع تجريد الطائرات الموجودة على الأرض في روسيا للحصول على قطع غيار لازمة للحفاظ على بقية الأسطول قيد التشغيل”.
هذا الأمر سيعيد إلى أذهاننا صدى ما حدث في إيران، إذ واصلت شركات الطيران تسيير رحلاتها رغم تعرض البلاد لعقوبات اقتصادية بسبب برنامجها النووي.
تمكنت بعض شركات الطيران الإيرانية من تأمين طائرات وقطع غيار من الخارج عن طريق التهرب من العقوبات، واتخذت الولايات المتحدة عام 2013 إجراءات ضد شركات وأفراد في قيرغيزستان وأوكرانيا بسبب تأجير الطائرات وبيعها لشركتي طيران إيرانيتين، فيما وصفته بـ “محاولة للالتفاف على العقوبات”.
من هذا المنطلق، قال مسئول تنفيذي في صناعة الطيران الروسية إن الصناعة قد تضطر في النهاية إلى محاولة تطوير القطع بنفسها.
