قفزات قياسية لأسعار الخامات.. ومصانع الـ«SME’s» أكبر المتضررين
ضغطت الحرب على هوامش الأرباح فى صناعتين كبيرتين فى مصر، هما الزيوت النباتية، والأعلاف الحيوانية، مدفوعة بزيادات قياسية لأسعار الخامات الرئيسية للإنتاج من الذرة الصفراء، والفول الصويا، ودوار الشمس والنخيل فى الأسواق العالمية.
وتستورد مصر معظم احتياجاتها من الخامات لصناعتى الزيوت والأعلاف، وتعتمد بشكل رئيسى على دول أوكرانيا والأرجنتين والبرازيل وأمريكا وإندونيسيا وماليزيا، لكن الوضع الحالى فى تلك الأسواق متوتر لأسباب متباينة، وهو ما انعكس سلباً على الصناعتين فى مصر.
وارتفعت أسعار الزيوت بصورة ملحوظة منذ انتشار فيروس كورونا مطلع 2020، وأخذت فى الصعود مع الأحداث اللاحقة للوباء، وكان آخرها الحرب الروسية فى أوكرانيا، وما تلاها من قرارات وتغيرات اقتصادية عالمية ومحلية.
قال أيمن قرة، رئيس شركة القاهرة للزيوت النباتية، إنَّ الزيوت النباتية تُضاف إلى الوقود الحيوى بنسبة 15% على أقصى تقدير، وتتغير أسعارها طردياً مع أسعار البترول التى تصل فى المتوسط إلى 106 دولارات للبرميل خلال الأيام الأخيرة، ما يرفع الضغط أكثر على صناعة الزيوت المصرية.
أوضح أن أوكرانيا أحد طرفى الحرب، وهى أكبر مورد لبذور دوار الشمس وزيوتها الخام إلى مصر وإلى باقى دول العالم، لذا تشهد أسعار جميع الخامات خلال الفترة الأخيرة ارتفاعات قياسية، ولا يعرف متى ستتوقف.
وقفز مؤشر أسعار الزيوت النباتية خلال شهر مارس الماضى فقط بنحو 23%، وفقاً للبيانات الرسمية من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، مع ارتفاع أسعار زيوت دوار الشمس والنخيل والصويا وبذور اللفت.
وصعدت أسعار زيت دوار الشمس مع انخفاض إمدادات الصادرات فى ظل الصراع الدائر فى منطقة البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا، كما ارتفعت أسعار زيوت النخيل والصويا وبذور اللفت بشكل ملحوظ بفعل ارتفاع الطلب العالمى على الواردات عقب الاختلالات فى إمدادات زيت دوار الشمس.
وقفزت أيضاً أسعار زيت النخيل بدعم إضافى نتيجة الانحسار المستمر للإمدادات فى الأسواق المنتجة، فاستندت أسعار زيت الصويا إلى المخاوف إزاء انحسار الإمدادات المتاحة للتصدير فى أمريكا الجنوبية.
ولوحظ أنّ تقلّب أسعار النفط الخام وارتفاعها أدى إلى دعم الأسعار الدولية لـ”الزيوت النباتية”.
أضاف «قرة» أن الجفاف فى أمريكا الجنوبية خاصة فى الأرجنتين رفع من تحذيرات تراجع المعروض الفترة المقبلة، لترتفع أسعار الخامات من جديد، واضطرت مصانع عدة لتخفيض الطاقات الإنتاجية فى النهاية بما يتراوح بين 20 و30%، مقارنة بالوضع قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، والذى لم يكن على أحسن حال كذلك لمصانع الزيوت النباتية، إذ كان متوسط الطاقات التشغيلية يتراوح بين 60 و70% تقريباً.
قال «قرة»، إنَّ مصانع الزيوت الصغيرة والمتوسطة «SME’s» ستكون الأكثر تضرراً من الوضع الاقتصادى للصناعة، لكن سيكون الوضع أفضل حالاً للمصانع الكبيرة التى تستطيع الحفاظ على استثماراتها لفترة أطول أثناء الأزمات.
أضاف: «لا يجب أن ننسى أن وزارة التموين توفر كميات من الزيوت طوال العام بأسعار أقل من السوق الحرة، وفى ظل الظروف الاقتصادية للمواطنين نشهد تراجعاً كبيراً فى الطلب، لذا استجابت المصانع بتخفيض طاقات الإنتاج».
قال حازم الشاذلى، رئيس شركة الحامد لاستخلاص الزيوت النباتية، إنَّ السوق يشهد ارتباكاً فى الفترة الأخيرة، خاصة على مستوى تسعير المنتجات، فسعر زيوت الصويا الخام وصل إلى 37 ألف جنيه للطن، لكن سعر البيع المكرر ينخفض إلى 31 ألف جنيه للطن.
أوضح أن الأسعار يجب أن تكون معكوسة، فالطبيعى أن خام الزيت يوضع عليه قيمة مضافة عبر تكريره، وإذا كان الخام عند 37 ألف جنيه للطن فالطبيعى أن سعر المكرر عند 40 ألف جنيه مثلاً، لكن أن ينخفض فهذا غير معقول.
برر «الشاذلى»، انعكاس الأسعار بهذه الصورة بانخفاض كبير فى طلبات المستهلكين فى الفترة الأخيرة، والتى أثرت على كثير من المصانع لدرجة أن بعضها يقلل الكميات المعروضة لديها حالياً فى محاولة لتجنب الخسائر المتلاحقة فى الفترة الأخيرة.
ولم تنج صناعة الأعلاف هى الأخرى من الأحداث العالمية، إذ إن الذرة الصفراء والفول الصويا يمثلان نحو 90% من مدخلات إنتاج الصناعة، وأثرت الحرب على أسعارهما بزيادات غير مسبوقة تتراوح بين 80 و100% تقريباً.
وتراجعت واردات الذرة الصفراء، خلال الربع الأول من العام الجارى، بنسبة 11% إلى 2.25 مليون طن.
وقال أنور العبد، رئيس شركة الأهرام للدواجن، إنَّ أسعار الذرة الصفراء قفزت منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية إلى 430 دولاراً للطن مقابل 180 و200 دولار قبل الغزو، والصويا هى الأخرى تقترب من 580 دولاراً للطن مقابل 380 دولاراً قبل الحرب.
أوضح «العبد»، أن مصانع الأعلاف حالياً على نوعين، الأولى المصانع الكبيرة لديها ملاءة مالية قوية تُمكنها من زيادة رأس المال العامل لمواكبة التطورات فى التكاليف، وهذه مستمرة وإن كانت نوعاً ما خفضت حجم إنتاجها نسبياً، وفقاً لتراجع الطلب.
والنوع الثانى هى الصغيرة والمتوسطة، وهذه الفئة أغلبها لا يملك ملاءة مالية قوية، لذا فالشركات مجبرة على أمرين، إما تخفيض الإنتاج بصورة قوية، وإما التوقف عن العمل، وإن كانت أعداد المصانع المتوقفة لا تزال بسيطة ولفترة لن تطول بالتأكيد.
تابع أن «المصانع تحاول التأقلم مع الأوضاع الجديدة على حساب أعمالها الخاصة والأرباح بالتأكيد، خاصة أنه مع ارتفاع أسعار الصرف الأخيرة بنحو 16% إلى فوق 18 جنيهاً للدولار، فالمصانع جميعها فى حاجة لزيادة رأس المال العامل».
قال حسام البلاط، مدير مبيعات شركة فيدميكس إيجيبت للأعلاف، إنَّ مصانع الأعلاف تُعانى حالياً؛ بسبب ضعف المبيعات، خاصة أن أسعار البيع زادت بأكثر من 2000 جنيه فى الطن خلال الأسابيع القليلة الأخيرة؛ بسبب الحرب الروسية، وارتفاع أسعار صرف الدولار.
أوضح أن «المصانع تواجه حالياً ضغطاً من المنتجات البديلة التى يبحث عنها المستهلكون فى محاولة منهم لتخفيض التكاليف قدر الإمكان، وبعضها للأسف منتجات مجهولة المصدر، لكنهم لا يعرفون أنها لن توفر لهم الجودة اللازمة فى إنتاجهم من اللحوم، وبالتالى أوزان أقل وجودة لحوم أقل».
أضاف: «المصانع الكبيرة دائماً ما تملك احتياطى استراتيجى من الخامات لوقت الأزمات، وهو ما يسندها وقت الأزمات، مثلما الحال حالياً، لكنها لا تزال تشترى الكميات الجديدة بالأسعار المرتفعة».
أشار إلى أنه رغم الأزمة لا تزال المصانع توفر المنتجات ولكن بأسعار متغيرة وبوتيرة سريعة، وبسعر اليوم، خاصة أن الخامات تتغير بصورة شبه يومية، وبعض الفترات مرتين فى يوم واحد».
أوضح «البلاط»، أن الأسعار التى تقدمها المصانع مبالغ فيها، والبعض لم يتحملها بالفعل وأوقف الإنتاج، لكن المصنعين مجبرون على العمل بهذه الطريقة؛ نظراً إلى الأحداث العالمية، ومصر تستورد جميع احتياجاتها من الخام، ولا تزرع منها إلا القليل.