كان التطور الأخير في الصين سبباً في تركيز الثروة في المدن الشرقية، لكن الرئيس شي جين بينج، يريد نشر تلك الثروة داخل البلاد في أماكن مثل مدينة تشانغشا، ويريد أن تكون العملية مدفوعة بالابتكار في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والتصنيع الذكي.
غالباً ما تبدو توجيهات الحكومة المركزية بعيدة كل البعد عن النشاط التجاري الحقيقي، فهي تمتلئ بالشعارات السامية والإشارات الطويلة إلى أهمية “فكر شي جين بينغ”.
وتقدم مدينة تشانغشا لمحة سريعة عن الدور الذي يمكن أن تلعبه ثورة الرئيس الصيني بالفعل.
تعد المدينة واحدة من 15 مركزا حضريا تحاول إحداث قفزة في نخبة البلاد، والتي تُعرف سوياً باسم مدن “الدرجة الأولى الجديدة” ، وتشكل بالفعل حوالي خمس الناتج المحلي الإجمالي للصين.
في تشانغشا، تشعر الحكومة المحلية بالسعادة تجاه وجود اقتصاد مضطرب، إذ يريد المخططون جعل المدينة مركزاً للثقافة والسياحة يحقق عائدات تبلغ 500 مليار يوان (74 مليار دولار) سنوياً، ارتفاعاً من أقل من 200 مليار يوان في عام 2021.
ويدور تركيز المخططين الرئيسي بشأن استراتيجية نمو المدينة حول ترقية القاعدة الصناعية لها، وهذا يعني جذب مجموعة من الشركات الجديدة والموهوبين إلى منطقة تبعد مئات الكيلومترات عن المناطق الساحلية الغنية.
ذكرت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن القاعدة الصناعية القوية والقديمة في تشانغشا تجعلها نموذجية للطبقة الأولى الجديدة، حيث قادت الصناعة النمو السريع في أوائل عقد 2000، لكن في الأعوام التالية لأداء تشانغشا تقاربت مع المتوسط الصيني.
وتعد المدينة موطن أكبر شركتين لآلات البناء في الصين، وهما “ساني” و”زوومليون”، وهناك شركة أخرى تُعرف باسم “بي إس بي”، وهي واحدة من أكبر المتخصصين في البلاد في مجال البناء الجاهز.
وفي مدينة تقع جنوب تشانغشا مباشرةً، يوجد أحد مراكز التصنيع الرئيسية لشركة السكك الحديدية المملوكة للدولة في الصين “سي.أر.أر.سي”.
هذه الميزة تعني أنه لا ينبغي أن تضطر إلى التنافس مباشرة مع المدن المجاورة مثل مدينة تشنغدو، التي تمتلك قاعدة كبيرة لتصنيع الطائرات، كما يقول وانج تاو، من بنك “يو.بي.إس”.
يتمثل التحدي الأول الذي يواجهه المخططون في تطوير الصناعة الحالية للمدينة من خلال الرقمنة والأتمتة، إذ قدمت الحكومة إعانات كبيرة لتشجيع شركات تكنولوجيا الإنترنت على التجمع حول شركات الآلات والبناء والنقل القائمة، بالتالي تم إنشاء الآلاف من الشركات المرتبطة بالأتمتة.
ويراقب المسؤولون ما سيحدث بعد ذلك، كما يقيس أحد الإصلاحات الأخيرة في المجمعات الصناعية مقدار الضرائب التي تدفعها الشركات لكل 0.06 هكتار من الأرض التي تشغلها، وستؤدي في النهاية إلى طرد أصحاب الدخل المنخفض.
غالباً ما تتضمن الترقيات الصناعية دمج أنظمة جديدة تماماً، مثل شبكات إنترنت داعمة للجيل الخامس أو لوجستيات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، في الشركات القديمة من أجل المساعدة في تعزيز الكفاءة، كما يشير المحللون في البنك الاستثماري “جيفريز”.
يمكن أن تستغرق هذه الأنواع من التغييرات أعواماً وتتطلب مزودي تكنولوجيا كبار وذوي خبرة، لكن معظم الشركات العاملة في تشانغشا صغيرة، ولا تعتبر موطناً لأية شركات تقنية كبيرة، والتي مقرها الرئيسي يقع في العادة في مدن شرق الصين.
حتى أن بعض المحاور الصناعية المجاورة مثل تشنغدو تسجل نتائج أفضل على هذا الصعيد، وهذا يعني في النهاية أن وتيرة الرقمنة الصناعية ستكون أبطأ في تشانغشا، كما يقول شو ديهونج، مؤسس شركة البرمجيات الصناعية المحلية “كادستار”.
يدور التحدي الثاني حول تسريع ازدهار شركات التكنولوجيا الجديدة.
ومثل العديد من المدن المجاورة، تسارع تشانغشا لبناء مجمعات ذكاء اصطناعي ذكي، وقد أعلنت وزارة العلوم والتكنولوجيا العام الماضي أنها ستبني منطقة ابتكار ذكاء اصطناعي وطنية في المدينة.
يذكر أنه تم إنشاء حوالي 5180 شركة تدعي أنها تقدم خدمات متعلقة بالذكاء الاصطناعي في تشانغشا في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022، ارتفاعاً من حوالي 3000 شركة في عام 2021 بالكامل، بحسب شركة “كيتشاشا”، وهي شركة استخباراتية للشركات.
وانعكس هذا الاتجاه في جميع أنحاء المدن الصينية الداخلية، لكن ما إذا كان هذا يعكس ريادة أعمال تقنية حقيقية، فإنه أمر مشكوك فيه، حيث يعتقد الخبراء أن العديد من شركات الذكاء الاصطناعي الجديدة تفعل القليل عندما يتعلق الأمر بالابتكار الحقيقي.
يحتاج المركز التكنولوجي المزدهر أيضاً إلى إمدادات ثابتة من المواهب، و أعلنت الحكومة في أبريل عن قائمة من 45 إجراءً تهدف إلى إقناع المهنيين الشباب بالدخول إلى المدينة، بما في ذلك منح تصل إلى 100 مليون يوان لكبار العلماء ومؤسسات التكنولوجيا.
ومن عوامل الجذب الأخرى، انخفاض مستويات المعيشة، إذ تتمتع مدينة تشانغشا ببعض من أدنى أسعار المساكن مقارنة بأي مدينة كبيرة في البلاد، مما يجعلها جذابة بشكل خاص لرجال الأعمال الشبابظ، ومع ذلك، فإن هذه الحوافز قد تكون غير كافية.
عن ذلك، يقول وانج بينج، من شركة “هويجيانغ أوتوميشن تكنولوجي”، وهي شركة تقنية شيدت مكتباً في تشانغشا العام الماضي، أنه رغم الحوافز السخية، ما زال من الصعب توظيف الأشخاص المناسبين.
