أظهر الاتحاد الأوروبى جديته فى وقف مشتريات الغاز، لكن طوكيو لم تفعل ذلك، رغم مواصلة الحكومة اليابانية التحدث بشكل جيد تجاه معارضتها للحرب الروسية فى أوكرانيا.
ومع وصول النزاع إلى شهره السادس خلال الأسبوع الماضى، قال رئيس الوزراء اليابانى، فوميو كيشيدا، إن “الغزو الروسى لأوكرانيا عمل شائن يهز أسس النظام الدولى، ليس فقط فى أوروبا بل فى آسيا أيضاً”.
ومع ذلك، بينما تعهدت طوكيو بالإبقاء على العقوبات المفروضة على حكومة الرئيس فلاديمير بوتين، فإن سياسة اليابان تجاه روسيا ملتبسة من نواحٍ أخرى.
واللافت للنظر أنه عندما أجرى كيشيدا تعديلا وزاريا فى حكومته فى أغسطس، احتفظ بمنصب وزير التعاون الاقتصادى مع روسيا، والذى شغله ياسوتوشى نيشيمورا، بجانب منصب وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة.
وأوضحت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية أن رئيس الوزراء السابق شينزو آبى استحدث منصب وزير التعاون الاقتصادى مع روسيا فى عام 2016، وهو المنصب الوزارى الوحيد المخصص لبناء علاقات مع دولة أجنبية بعينها.
وبالرغم مما وصفه كبير أمناء مجلس الوزراء اليابانى، هيروكازو ماتسونو، بأنه “همجية” بوتين فى أوكرانيا، فإن اليابان تعيد أيضاً تأكيد التزامها بمشاريع الطاقة الروسية.
ويعد مشروع “سخالين 2” أحد أهم هذه المشاريع، فهو مشروع للغاز الطبيعى المسال فى الشرق الأقصى الروسى وتمتلك كل من “ميتسوى آند كو” و”ميتسوبيشى كورب” حصة تقدر بـ12.5% و10% على التوالى.
وفى السابق، كان “سخالين 2” مدار من جانب شركة قابضة مسجلة فى برمودا، لكن جميع الحقوق فى المشروع نُقلت إلى كيان روسى جديد بقرار من بوتين.
وجدير بالذكر أن شركة “غازبروم” الحكومية الروسية ستمتلك حصة قدرها 50% فى المشروع، بالإضافة إلى حصة واحدة من الشركة الجديدة، بينما يحتاج المستثمرون الأجانب، بمن فيهم شل أيضاً، إلى طلب تحويل حصصهم الحالية إلى أسهم فى الشركة الجديدة.
وبالرغم من تأميم موسكو الفعال لمشروع “سخالين 2″، تقترح شركتا “ميتسوى” و”ميتسوبيشى” الحفاظ على حصصهما بتشجيع من الحكومة اليابانية، وفى المقابل، أعلنت شركة “شل” نيتها للانسحاب من المشروع واستدعت موظفيها من الجزيرة الروسية.
وترسل الحكومة اليابانية بشكل أساسى رسالة مفادها أن روسيا تظل شريكاً تجارياً شرعياً، بالتالى لا غرابة فى توقف الوتيرة الإجمالية لانسحاب الأعمال اليابانية من روسيا.
وتشير خدمة أبحاث الأعمال “تيكوكو داتا بنك” إلى أن 74 شركة يابانية علقت أو قيدت عملياتها التجارية أو انسحبت بالكامل، وذلك من بين 168 شركة يابانية كانت تعمل فى روسيا عندما بدأ الهجوم على أوكرانيا فى فبراير، وهذا الرقم لم يتغير منذ يونيو.
وفى غضون ذلك، كشف المسؤولون التنفيذيون فى شركة تصنيع الإطارات “يوكوهاما رابر” مؤخراً أن الشركة استأنفت الإنتاج فى مصنعها فى روسيا.
وتستشهد طوكيو بحاجة البلاد للغاز الروسى كمبرر لمواصلة تعزيز العلاقات الاقتصادية مع موسكو، وقبل أسبوع من التنازل عن منصب وزير العلاقات الاقتصادية مع روسيا فى التعديل الوزارى الذى أجرى فى أغسطس، وصف كويتشى هاجيودا مشروع “سخالين 2” بأنه “قاعدة مهمة للغاية لتزويد اليابان بالطاقة المستقرة”.
ولا شك أن هذا الأمر مضلل، فبصرف النظر عن المساهمة فى أمن الطاقة، فإن قرار اليابان بالحفاظ على استثماراتها فى الطاقة الروسية ينطوى على مخاطر هائلة لأنه ينطوى على اعتماد طويل الأجل على بلد لا يحترم القانون الدولى.
وتستخدم روسيا أيضاً الطاقة بشكل روتينى كسلاح فى السياسة الخارجية، ومن المؤكد أن اليابان ستكون هدفاً فى مرحلة ما.
وبعد فرض طوكيو عقوبات على غزوها لأوكرانيا، صنفت موسكو اليابان كدولة “غير ودية”، وعلقت المحادثات بشأن معاهدة سلام لإنهاء الحرب العالمية الثانية رسمياً، كما اتهم سكرتير مجلس الأمن الروسى نيكولاى باتروشيف اليابان “بالسعى للحصول على مكانة رائدة فى الحركة العالمية لمن يرفضون روسيا”.
وربما يلاحظ مسئولو طوكيو، أن الاتحاد الأوروبى، حتى بعد جولاته المتكررة لفرض عقوبات ضد موسكو، لم ينهى بشكل كلى أيضاً اعتماده على الغاز الروسى، وهذا صحيح، لكن فى وقت الغزو، اعتمد الاتحاد الأوروبى على روسيا فى الحصول على أكثر من 40% من وارداته من الغاز، وفى يوليو، وافق أعضاء الاتحاد الأوروبى على خطة لخفض استهلاك الغاز الروسى بنسبة 15% بحلول ربيع 2023.
وفى الوقت نفسه، خفضت ألمانيا، التى اعتمدت على روسيا فى 55% من وارداتها من الغاز، بالفعل هذه الحصة إلى 30% وأوقفت استعدادات تشغيل خط أنابيب “نورد ستريم 2” القادم من روسيا.
وعلى النقيض من ذلك، تستورد اليابان 9% فقط من غازها من روسيا، بالتالى فهى فى وضع أفضل للاستغناء عنها، ولن يكون هذا بالطبع بلا تكلفة، لكن القضاء على الاعتماد على الطاقة الروسية سيعزز أمن اليابان على المدى الطويل.
وعادةً ما تستورد اليابان إمداداتها من “سخالين 2” بموجب عقود رخيصة وطويلة الأجل نسبياً، لذلك فإن التخلى عن الغاز الروسى سيتطلب منها شراء الغاز الطبيعى المسال بمعدلات أعلى من أماكن أخرى، وهذه ستكون تكلفة فعل الشيء الصحيح.
وإذا كان كيشيدا جاداً فى معارضة الحرب الروسية على أوكرانيا، فعليه إلغاء منصب وزير التعاون الاقتصادى مع روسيا فوراً والتحرك سريعاً لقطع الاعتماد على الغاز الروسى، والأفضل من ذلك إنشاء منصب وزير التعاون الاقتصادى مع أوكرانيا.
