ربما كان عام 2022 هو العام الأكثر اضطراباً الذى شهده المستثمرون على الإطلاق، وهذا لسبب وجيه، فقد خسرت الأسهم العالمية تريليونات الدولارات، ونشبت نوبات الغضب فى سوق السندات، وشهدت العملات والسلع المتداولة خسائر، وانهار عدد قليل من إمبراطوريات التشفير.
لا شك أن احتساب الأرقام النهائية للعام مفيد.. لكنه لن يقترب حتى من سرد القصة بأكملها.
انخفضت الأسهم العالمية بمقدار 14 تريليون دولار، وتتجه إلى ثانى أسوأ عام لها على الإطلاق، لكن كان هناك ما يقرب من 300 زيادة فى أسعار الفائدة وزيادات ثلاثية تزيد على 10% فى ذلك الوقت، ما يجعل التقلب مريباً.
كانت الدوافع الرئيسية هى الحرب فى أوكرانيا، بجانب التضخم المتفشى مع تخلص الاقتصادات العالمية من الوباء، لكن الصين ظلت مقيدة به وسط ارتفاع معدلات العدوى لديها بعد الإلغاء المفاجئ لسياسة «صفر كوفيد».
خسرت سندات الخزانة الأمريكية والسندات الألمانية المقومة بالدولار، وهى المعايير القياسية لأسواق الاقتراض العالمية والأصول التقليدية فى الأوقات العصيبة، 17% و25% على التوالى، حسبما ذكرت وكالة أنباء «رويترز».
يقول المستثمر جيفرى جوندلاش، من «دوبل لاين كابيتال»، الملقب بـ«ملك السندات» فى الأسواق، إن الظروف أصبحت سيئة للغاية فى بعض الأمور لدرجة أن فريق عمله وجد أنه من المستحيل تقريباً التداول لعدة أيام فى كل مرة.
قال «جوندلاش»: «كان هناك إضراب للمشترى، وهذا أمر مفهوم لأن الأسعار كانت تنخفض حتى وقت قريب».
بدأت الدراما بمجرد بدء العام، وأصبح من الواضح أن تفشى «كوفيد» لن يؤدى إلى إغلاق الاقتصاد العالمى مرة أخرى، وكان البنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، وهو البنك المركزى الأكثر نفوذاً فى العالم، جاداً فى رفع أسعار الفائدة.
أسهمت القوة التى اتسم بها الدولار الأمريكى خلال ديسمبر، فى تعزيز قيمة الين اليابانى.
فى الأسواق الناشئة، كلفت مشاكل السياسة النقدية والتضخم فى تركيا الليرة 29% أخرى، لكنها شهدت أيضاً تدفق السكان المحليين إلى سوق الأوراق المالية، ما يجعلها الأفضل أداءً فى العالم مع مكاسب بنسبة 80% عندما تُقوم بالدولار.
انهار السيدى الغانى بنسبة 60%، بعد انضمام البلاد إلى سريلانكا وروسيا وأوكرانيا فى حالة تخلف عن السداد.
ورغم انخفاضه عن أعلى مستوياته فى يونيو، فإنَّ الروبل الروسى لا يزال ثالث أفضل العملات أداءً فى العالم، بدعم من ضوابط موسكو على رأس المال، علماً بأن العملة الروسية تراجعت بشدة فى البداية بعد غزو أوكرانيا.
بعد أن أشار مثل كثيرين إلى تهاوى الجنيه الإسترلينى وأسواق السندات البريطانية عندما تعاملت حكومة ليز تروس قصيرة العمر مع الإنفاق غير الممول، قال روبرت ألستر، كبير مسئولى الاستثمار فى شركة «كلوز بروزرز أسيت مانجمنت»: «إذا سألتنى عما سيحدث العام المقبل، فلن أتمكن حقاً من إخبارك». كذلك، خسر عمالقة التكنولوجيا 3.6 تريليون دولار، فقد خسر «فيسبوك» و«تسلا» أكثر من 60% من قيمتها، بينما تراجعت قيمة كل من «جوجل» و«أمازون» بنسبة 40% و50% على التوالى.
شهدت الأسهم الصينية ارتفاعاً متأخراً بفضل تخفيف سياستها «صفر كوفيد»، لكنها لا تزال منخفضة بنسبة 24%، كما انخفض الدين الحكومى فى الأسواق الناشئة «المقومة بالعملة الأجنبية» بما يزيد على 17%، فيما سيكون أيضاً أول خسارة سنوية متتالية لها على الإطلاق.
كما تراجعت العروض العامة الأولية ومبيعات السندات فى كل مكان تقريباً باستثناء الشرق الأوسط، فيما كانت السلع هى أفضل فئة أصول أداء للعام الثانى على التوالى.
أشارت «رويترز» إلى أن ارتفاع الغاز الطبيعى بنسبة 15% يعتبر الأكبر بشكل عام فى تلك المجموعة، ويرجع ذلك أساساً إلى حرب أوكرانيا، والتى عززت الأسعار بنسبة تصل إلى 140% فى مرحلة ما. وأوضحت أن مخاوف الركود المتصاعدة، بجانب خطة الغرب لوقف شراء البترول الروسى، تعنى أن خام برنت قد استعاد 80% من قيمته التى حققها فى الربع الأول، وكذلك القمح والذرة.
فى الوقت نفسه، كان سوق العملات المشفرة أكثر فوضوية، فقد فقدت عملة «بيتكوين» 60% من قيمتها، فى حين تقلص سوق التشفير الأوسع نطاقاً بمقدار 1.4 تريليون دولار، بعد انهيار إمبراطورية سام بانكمان فرايد، بورصة التشفير «إف تى إكس».
قال ستيفان جيرلاخ، كبير الاقتصاديين فى بنك «إى إف جى»، نائب محافظ البنك المركزى الأيرلندي، إن «ما حدث فى الأسواق العالمية هذا العام كان مؤلماً، لكن لو لم تقلل البنوك المركزية من شأن ارتفاع التضخم بشكل كبير واضطرت إلى رفع أسعار الفائدة لما كان ذلك كارثياً».
