رأت دورية “فورين بوليسي” الأمريكية أن نهج إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه منطقة جنوب شرق آسيا ورابطة دولها (آسيان) شهد تحسنا خلال العام الماضي، إلا أنه مازال بحاجة للعديد من التحسينات.
وأشارت “فورين بوليسي” إلى أنه على الرغم من أن جنوب شرق آسيا منطقة استراتيجية في المواجهة الناشئة بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاهها في عام 2021 لم تكن معبرة عن هذه الأهمية، موضحة أن فريق بايدن، خلال عامه الأول في البيت الأبيض افتقر إلى استراتيجية للمنطقة مع وجود عدد قليل من سفراء واشنطن فيها، ولم يولي اهتماما كبيرا لتنمية العلاقات رفيعة المستوى.
وذكرت الدورية الأمريكية أنه في عام 2022 اختلف الوضع؛ إذ صعدت الإدارة من ظهورها في المنطقة، وتوضيح نهجها في وثائق الاستراتيجية الرئيسية، وتعزيز التعاون من خلال مبادرات مثل الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، مضيفة أن الإدارة الأمريكية مازالت تفتقر إلى استراتيجية اقتصادية قابلة للتطبيق، كما أن تأكيدها على احتواء الصين يهدد بعزل البلدان الرئيسية في المنطقة.
وأوضحت “فورين بوليسي” أن أحد التحسينات الحاسمة لإدارة فريق بايدن لملف منطقة جنوب شرق آسيا في عام 2022، كان الحرص على الظهور فعليا، خاصة بعد عامين من المشاركة الافتراضية فقط بسبب الوباء، ففي نوفمبر الماضي، حضر الرئيس الأمريكي جو بايدن شخصيًا ثلاثة اجتماعات مهمة متعددة الأطراف: قمة الولايات المتحدة – آسيان وقمة شرق آسيا في كمبوديا، بالإضافة إلى قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا.
وبينت أنه على الرغم من أن بايدن لم يشارك في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في تايلاند؛ بسبب حضوره حفل زفاف حفيدته في البيت الأبيض بدلا من ذلك، إلا أنه أرسل نائبة الرئيس كامالا هاريس للحضور بدلا منه، كما شملت الزيارات رفيعة المستوى الأخرى رحلات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى كمبوديا وإندونيسيا وتايلاند والفلبين، بالإضافة إلى زيارة وزير الدفاع لويد أوستن إلى كمبوديا وإندونيسيا وسنغافورة، وزيارة نائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان إلى لاوس والفلبين وفيتنام.
ورأت الدورية الأمريكية أن زيارات المسئولين الأمريكيين إلى جنوب شرق آسيا لم تكن الطريقة الوحيدة التي صعدت بها الإدارة مشاركتها؛ ففي مايو الماضي، استضاف بايدن قمة تاريخية خاصة بين الولايات المتحدة والآسيان في البيت الأبيض، جمعت جميع قادة الآسيان تقريبا. وعلى الرغم من أن المردود كان ضعيفا بالنسبة للنتائج السياسية الفعلية، إلا أن القمة كانت إشارة إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تمارس تأثيرًا كبيرًا على الرغم من النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري المتنامي للصين في المنطقة، كما أصدرت إدارة بايدن في عام 2022 أيضًا وثائق استراتيجية رئيسية أوضحت نهجها في جنوب شرق آسيا.
وأوضحت “فورين بوليسي” أن الأهم من ذلك، هو أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ قد أدت إلى توجيه المحادثة بعيدا عن المنافسة مع الصين والتي تصيب دول جنوب شرق آسيا بعدم الارتياح. وبدلا من ذلك، تركز الاستراتيجية الأمريكية على بناء تعاون ثنائي من أجل تعزيز الأمن الصحي والتصدي للتحديات البحرية وزيادة الاتصال وتعميق العلاقات بين الأفراد.
وأشارت الدورية الأمريكية إلى وثيقة أساسية أخرى، هي استراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن الصادرة في أكتوبر 2022، والتي كانت بمثابة تحديث للتوجيه الاستراتيجي للأمن القومي المؤقت المُطبق اعتبارا من مارس 2021.
وأكدت الاستراتيجية الجديدة لإدارة بايدن إزاء منطقة جنوب شرق آسيا مركزية مجموعة “آسيان”، كما تعهدت “بتوسيع مشاركتنا الدبلوماسية والإنمائية والاقتصادية الإقليمية، مع التركيز بشكل خاص على جنوب شرق آسيا”.
وأشارت “فورين بوليسي” إلى الإجراءات الفعلية التي اتخذتها إدارة بايدن تجاه المنطقة، والتي كان من بينها تعزيز الإطار الاقتصادي الهندي والهادئ من أجل الرخاء (IPEF)، وهي سياسة تتعهد بالتعاون مع عدد من البلدان في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والتنافسي والعادل، والذي يهدف كذلك إلى مواجهة النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين في المنطقة، وانضم إليه سبعة من دول الآسيان العشر.
ووصفت “فورين بوليسي” الإطار الاقتصادي (IPEF) بأنه أقل طموحا بكثير من الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، وهي صفقة تجارية واستثمارية تضم 12 دولة؛ بما في ذلك أربع دول في جنوب شرق آسيا (بروناي وماليزيا وسنغافورة وفيتنام)، والتي انسحب منها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2017.
لكن الإطار الاقتصادي IPEF يحمل على الأقل بعض الأمل في التعاون الاقتصادي بقيادة الولايات المتحدة مع منطقة جنوب شرق آسيا، كما أن انضمام سبعة من أصل 10 أعضاء في الآسيان إليه ليس بالأمر الهين.
وأشارت “فورين بوليسي” إلى حدث مهم آخر خلال حضور بايدن قمة الولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا في نوفمبر الماضي، حيث اتفق بايدن وقادة الآسيان على رفع مستوى تعاونهم إلى مستوى ما يسمى بالشراكة الاستراتيجية الشاملة، وهي عبارة دبلوماسية أمريكية تترجم إلى تعاون أعمق في الشؤون الخارجية والاقتصاد والدفاع والصحة والنقل وتمكين المرأة والبيئة والمناخ والطاقة، مضيفة أن قدرة إدارة بايدن على إنجاز ذلك ليس لها آثار سياسية جوهرية فحسب، بل إنها تعيق أيضا إنجاز الصين في عام 2021 بإطلاق شراكتها المماثلة مع الآسيان.
ورأت الدورية الأمريكية أن موافقة الكونجرس على جميع مرشحي إدارة بايدن كسفراء في المنطقة، ووجود تمثيل على مستوى السفراء لكل دولة من دول الآسيان يشكل إنجازا كبيرا، كما عززت إدارة بايدن مشاركتها مع مقر الآسيان من خلال تعيين سفير جديد في التكتل تمت الموافقة عليه في أغسطس الماضي.
وبحسب “فورين بولسي” فإن إحدى المشكلات الواضحة التي لا تزال قائمة هي أن الإدارة الأمريكية “مازالت تفتقر إلى استراتيجية اقتصادية حقيقية لمواجهة الصين في المنطقة”؛ إذ لا يمكن للأهداف الغامضة للاتفاق الإطاري IPEF ببساطة أن تتطابق مع ثقل اتفاقية TPP كاتفاقية تجارية فعلية، موضحة أن ما تريده دول جنوب شرق آسيا حقا من واشنطن هو وصول إضافي لأسواق الولايات المتحدة، وبالطبع فإن هذا الأمر ليس مطروحا من إدارة بايدن.
وأشارت إلى أن الصين بدأت في عام 2022 المشاركة في الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تقودها رابطة دول جنوب شرق آسيا (RCEP)، جنبا إلى جنب مع شركاء الولايات المتحدة مثل أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، وتمثل التجارة ضمن الشراكة الاقتصادية الشاملة RCEP ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبالإضافة إلى ذلك، على المستوى الثنائي، تواصل بكين مساعيها لتصبح الشريك الاقتصادي الأكثر أهمية لكل دولة تقريبا في منطقة جنوب شرق آسيا – بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة.
وأوضحت “فورين بوليسي” أنه ليس سرا أن دول جنوب شرق آسيا قلقة بشكل متزايد من المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وكيف يمكن أن تؤثر على أمن المنطقة واستقرارها. فبالنسبة للعديد من الحكومات، إن لم يكن معظمها، في جنوب شرق آسيا، قامت إدارة بايدن بتأجيج نيران المنافسة من خلال إحياء الحوار الأمني الرباعي.
وبالمثل، أثار إعلان إدارة بايدن، في سبتمبر 2021، الاتفاق الأمني بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والمعروف باسم AUKUS، قلق بعض أعضاء الآسيان، إذ أبدت إندونيسيا وماليزيا، على سبيل المثال، قلقهما بشأن وقوع سباق تسلح جديد بسبب هذا الاتفاق، فيما تساءلت جاكرتا علنا عما إذا كان اتفاق AUKUS ينتهك معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؛ نظرا لأنه يفوض واشنطن بمساعدة كانبيرا بغواصات تعمل بالطاقة النووية. لذلك فإنه على الرغم مما تعهدت به الإدارة الأمريكية لجنوب شرق آسيا، فمن الواضح من تصرفات واشنطن أن تعزيز الأمن مازال يمثل الأولوية القصوى.
لكن “فورين بوليسي” اختتمت تقريرها بالقول إنه “بشكل عام، سجلت إدارة بايدن تحسنا كبيرا في عام 2022، ومن المرجح أن يستمر التقدم هذا العام. وطالما أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لم تصل لمرحلة الغليان، ستشعر دول جنوب شرق آسيا بالارتياح لتعميق علاقاتها مع واشنطن”.
أ ش أ
