في 2022 استثمرت أكبر 40 شركة 75 مليار دولار فقط.. بما يعادل ربع الأرباح
قضت شركات التعدين معظم العقد الماضي في الدفاتر السيئة للمستثمرين.
فطوال عقد 2000 وأوائل عقد 2010، راهنت الصناعة على استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية الناجم عن النمو الاقتصادي للصين، وأنفقت على الاستثمارات وتراكمت عليها ديون ضخمة في هذه العملية.
وفي ذروة الجنون في 2013، بلغ الإنفاق الرأسمالي المجمع لأكبر 40 شركة تعدين في العالم من حيث القيمة السوقية 130 مليار دولار،أي نحو أربعة أخماس أرباحها قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك وفقًا لشركة “برايس ووترهاوس كوبرز” الاستشارية.
هذا الإنفاق الجنوني ترك رؤساء شركات التعدين بوجوه حمراء، مع تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، مما أدى إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية وأرباح الصناعة، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
قضت شركات التعدين الأعوام التالية في تنظيف الفوضى، إذ شُطبت أصولا تزيد قيمتها على 50 مليار دولار في 2015.
وفصلت شركة “بي إتش بي”، وهي شركة التعدين الأكثر قيمة في العالم، مواقعها الأقل شعبية لجمع الأموال وتبسيط أعمالها مترامية الأطراف، وحذا آخرون حذوها، إذ استُخدمت النقدية لسداد الديون بدلاً من تمويل مشاريع جديدة.
ومنذ ذلك الحين، انتعشت الأرباح وأسعار السلع الأساسية، لكن الاستثمارات لم تُضخ.
وفي 2022، استثمرت أكبر 40 شركة تعدين سويًا 75 مليار دولار، أي ما يعادل مجرد ربع الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك.
وتشير تقديرات المحللين إلى أن “بي إتش بي” استثمرت حوالي 7 مليارات دولار العام الماضي، وهذا يشكل ثلث ما أنفقته في 2013.
هذه مشكلة، إذ ستتطلب إزالة الكربون الصادر عن المعدن 6.5 مليار طن من الاقتصاد العالمي بدءًا من الآن وحتى 2050، وفقا للجنة تحولات الطاقة، وهي مؤسسة فكرية.
ورغم الاهتمام الكبير بالليثيوم والنيكل اللازمين للبطاريات، فإن هذا ليس سوى جزء واحد من الصورة.
وستكون ثمة حاجة إلى 170 مليون طن سنويًا من الفولاذ، للمنتجات التي تتكون غالبًا من خام الحديد، لكل شيء بدءًا من توربينات الرياح إلى السيارات الكهربائية، أي أكثر من 10 أضعاف الإنتاج العالمي الحالي.
كما ستكون ثمة حاجة إلى كميات هائلة من النحاس لتوسيع وتحديث شبكات الكهرباء، وسيرتفع الطلب على الألمنيوم والكوبالت والجرافيت والبلاتين بشكل كبير أيضًا.
وهذا سيتطلب الكثير من عمليات الحفر، وهو ما يجب أن يبدأ الآن.. لكن لماذا لا يحدث هذا؟
أحد الأسباب التي تجعل شركات التعدين تتردد في تخفيف القيود المالية هو أنها ما زالت تحاول استعادة ثقة المستثمرين.
وتبلغ عائدات المشاريع الجديدة في الصناعة حاليًا حوالي 7%، ويصعب بيع ذلك للمستثمرين عندما يكون العائد على سندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية في أمريكا أعلى من 5%.
الرئيس التنفيذي لشركة “بي إتش بي”: ممارسة الأعمال التجارية أصبحت أكثر صعوبة وتكلفة في الأعوام الأخيرة
وخوفًا من التطورات الجديدة المحفوفة بالمخاطر، يعطي القائمون بالتعدين الأولوية للتوسع في المواقع الحالية أو الاستحواذ عليها بشكل انتقائي.
تقوم شركات التعدين أيضًا بإعادة مزيد من الأموال إلى المساهمين من خلال توزيعات الأرباح وإعادة الشراء أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2007، وفقًا لشركة “ستاندرد آند بورز جلوبال”، وهي شركة مزودة للبيانات.
مع ذلك، لا تتحمل شركات التعدين والمستثمرين الحذرين المسئولية الكاملة عن ندرة النشاط.
ويشير مايك هنري، الرئيس التنفيذي لشركة “بي إتش بي”، إلى أن ممارسة الأعمال التجارية أصبحت أكثر صعوبة وتكلفة في الأعوام الأخيرة.
ويقول جوناثان برايس، رئيس شركة التعدين الكندية العملاقة “تيك ريسورسيز”، إن ارتفاع تكاليف العمالة والمعدات أدى إلى تقليص العائدات.
وكانت التكلفة التي بلغت نحو 9 مليارات دولار لتطوير منجم النحاس كويبرادا بلانكا 2 في تشيلي، الذي افتتح العام الماضي، ضعف ما تم تقديره في عام 2019.
كما اتسع نطاق ما يُتوقع من شركات التعدين القيام به لتقليل التأثير البيئي للمواقع بشكل كبير، كما يقول جيمس وايتسايد، من شركة “وود ماكنزي” للأبحاث.
لم يعد بإمكان الشركات الاعتماد ببساطة على مولدات الديزل لتشغيل المواقع، كما يطلب منهم على نحو متزايد إما الاتصال بالشبكة أو تركيب مصادر الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية.
وأجبرت الحكومات، التي تشعر بالقلق إزاء استخدام المياه، شركات التعدين على بناء محطات تحلية المياه، وكل ذلك أدى إلى زيادة التكاليف.
وأصبحت شركات التعدين، التي تشعر بالقلق من خيبة أمل المستثمرين، أكثر عرضة لإيقاف المشاريع مؤقتا أو إلغائها عندما ترتفع التكاليف أو تنخفض الأسعار، وهذا ليس سهلا دائما.
وفي 15 فبراير، قالت شركة “بي إتش بي” إنها ستخفض قيمة أعمالها في النيكل غرب أستراليا بمقدار 2.5 مليار دولار استجابة لارتفاع التكاليف وانخفاض أسعار المعدن بسبب توسع الإمدادات الإندونيسية.
والسبب الآخر وراء افتقار شركات التعدين إلى الاستثمار هو طول عمليات السماح بشكل مؤسف، مما يؤخر المشاريع ويزيد من انعدام اليقين.
في الولايات المتحدة، يستغرق الحصول على التصاريح في كثير من الأحيان ما بين 7 إلى 10 أعوام، إذ يُطلب من الشركات استشارة مجموعة متنوعة من الوكالات الحكومية والأطراف المعنية الأخرى.
وفي بعض البلدان، أدت المخاوف البيئية إلى سحب الموافقات، كما ألغت الحكومة الصربية ترخيص شركة “ريو تينتو”، وهي شركة تعدين عملاقة أخرى، لإنشاء منجم ليثيوم بقيمة 2.4 مليار دولار بعد اندلاع الاحتجاجات البيئية في 2022.
يذكر أن التهديد الأكبر الذي يواجه شركات التعدين الغربية يأتي من الصين، وتعتبر 9 من بين شركات التعدين الأربعين الأكثر قيمة في العالم اليوم صينية.