منذ نهاية 2019 وصل النمو 8% بالقيمة الحقيقية مقابل 3% لمنطقة اليورو و1% لليابان
أي شخصية كرتونية تشبه الاقتصاد الأمريكي أكثر؟
تشير وجهة النظر المتفق عليها في الأعوام الأخيرة، كما أقرها وزير الخزانة السابق والرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وكبير الاقتصاديين في شركة أكبر لإدارة الأصول، إلى وايل إي. كويوت، وهو الخصم العنيد لكن سيئ الحظ لشركة “رود رانر”، فقد كانت الفريسة غير المحظوظة تميل للانحراف عن الجرف متحدية الجاذبية لبضع لحظات قبل الانغمار في أسفل الوادي.
وهذا التشبية يوضح ضمناً أن سلسلة النمو الأمريكي القوي لا يمكنها الاستمرار وسط التضخم المتفشي، فقد كانت هناك حسابات لا مفر منها، لكن التضخم هو الذي انخفض منذ نهاية 2022، فيما حقق الاقتصاد شيئا لم يتمكن الذئب من تحقيقه قط وقفز عبر الوادي.
منذ نهاية 2019، وهي فترة تشمل الجائحة وتداعياتها، نما الاقتصاد الأمريكي بنحو 8% بالقيمة الحقيقية، وخلال نفس الفترة، نمت منطقة اليورو بنسبة 3% فقط، واليابان بنسبة 1%، وبريطانيا لم تنمو على الإطلاق، وهذا يعني أن أمريكا هي الاقتصاد الكبير الوحيد الذي عاد إلى اتجاه نموه الذي كان عليه قبل الوباء.
فحص آلان بليندر، من جامعة برينستون، 11 حالة سابقة خلال العقود الستة الماضية، التي رفع فيها الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لكبح التضخم، وانتهى معظمها بفترات ركود.
نجح الاحتياطي الفيدرالي في توجيه الاقتصاد عبر مسارين أقل ضرراً، لكنه نجح مرة واحدة فقط في تحقيق “هبوط سلس” خلال 1994-1995.
يعتقد بليندر، أن توجيهه الحالي هو الأكثر إثارة للإعجاب، لكن بالنظر لنقطة البداية، كان الاقتصاد يعاني من تضخم أعلى بكثير هذه المرة، مما أجبر “الفيدرالي” على رفع أسعار الفائدة بسرعة، ليقول بذلك “لقد حققنا ههبوطاً سلسًا”.
وصفه بـ”الهبوط السلس” قد يكون في الواقع أقل من الحقيقة، لأن الأمر الأكثر إثارة للدهشة بشأن الاقتصاد الأمريكي حاليًا ليس تباطؤه، بل زخمه المستمر.
في 26 فبراير، نشرت الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال استطلاعها الربع السنوي للاقتصاديين المحترفين، فقبل ثلاثة أشهر كان متوسط التوقعات يبلغ 1.3% هذا العام، لكنه يبلغ الآن 2.2%، أي أقل بقليل من معدل نمو العام الماضي البالغ 2.5%.
ومع ذلك، فإن التوسع المطرد لم يمنع انخفاض التضخم، إذ يرى الاقتصاديون أنفسهم، أنه يتراجع إلى معدل سنوي قدره 2.1% بحلول نهاية 2024 (باستخدام المقياس المفضل لدى الفيدرالي)، وهو ما يقترب من هدف البنك المركزي البالغ 2%.
الاقتصاديون ليسوا وحدهم من يتفائلون، بل تستمر أسواق الأسهم الأمريكية أيضًا في تسجيل أرقام قياسية جديدة، ويُتوقع ارتفاع أرباح الشركات بقوة هذا العام، وأصبح الأفراد العاديون أيضًا أكثر تفاؤلاً.
كيف نجحت أمريكا في ذلك؟
إحدى طرق النظر لمدى نجاحها هي التركيز على الطلب، فكل عنصر من عناصره- الاستهلاك والاستثمار والتجارة الخارجية- أسهم في النمو العام الماضي، وربما يفعل ذلك مجددًا العام الحالي .
وثمة ثلاثة عوامل عززت هذه القوة المتنوعة، وهي الاحتياطيات الوقائية، والحوافز المالية، والتنويع.
عندما رفع الفيدرالي أسعار الفائدة في 2022، بدا من المحتم أن يؤدي التشديد المفاجئ إلى عرقلة الاقتصاد، والهدف في النهاية كان خفض التضخم عبر إبطاء النمو.
وكان متوسط توقعات مسئولي الفيدرالي في نهاية 2022 هو ارتفاع البطالة بمقدار نقطة مئوية العام الماضي، وافترض كثيرون آخرون أن الضرر سيكون أسوأ بكثير، لكن المؤشر لم يتزحزح سوى بالكاد، وظل عند مستوى أقل من 4%، قرب أدنى مستوياته منذ 50 عامًا.
وهذا لأن المستهلكين والشركات كانوا معزولين نسبيًا عن أسعار الفائدة المرتفعة، إذ يعود العزل جزئيًا للتحفيز العملاق الذي قدمته إدارتا دونالد ترامب وجو بايدن في ذروة الجائحة.
وكان هذا هو ما ميز أمريكا آنذاك، ففي 2020 و2021، بلغ متوسط العجز الحكومي 14% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط منطقة اليورو البالغ 6%.
هذا الدعم عزز حسابات الأمريكيين المصرفية، فقد استمرت هذه المدخرات لفترة طويلة بشكل مدهش.
وقدر الباحثون في الاحتياطي الفيدرالي بسان فرانسيسكو، أن المدخرات الفائضة للأسر (مقارنة باتجاه ما قبل الوباء) بلغت ذروتها عند 2.1 تريليون دولار في أغسطس 2021، واعتقدوا في أوائل 2023 أنها ستُستخدم في غضون أشهر.
لكن بعد مراجعة البيانات في نهاية 2023، وجدوا أن الأسر كانت تملك 400 مليار دولار إضافية، وهو ما يكفي للاستمرار خلال النصف الأول من 2024.
كما عززت السياسة المالية الزخم الاقتصادي الأمريكي، فالحكومة تعاني من عجز كبير، والذي بلغ 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، بعد أن تقلص إلى حوالي 4% في 2022، وهو مستوى يُرى عادةً خلال الحروب أو فترات الركود.
ومع ذلك، ليست كل حالات العجز محفزة بالقدر نفسه .
فعلى عكس تدفق الإنفاق عندما تفشت الجائحة في 2020، كان العجز في 2023 يأتي جزئيًا من ضعف الإيرادات وعوامل فنية، ووجد باحثو معهد بروكينجز أن موقف السياسة المالية للحكومة الفيدرالية لم يعزز النمو سوى بشكل متواضع العام الماضي.
من ناحية أخرى، كانت السياسة المالية محركًا اقتصاديًا، وقد تظل كذلك، إذ تعمل ثلاث حزم إنفاق كبيرة أقرها الكونجرس (على البنية التحتية والتكنولوجيا النظيفة وأشباه الموصلات) على تحفيز الشركات الخاصة وحكومات الولايات على الإنفاق ببذخ أيضًا.
هل يمكن للأوقات الجيدة الاستمرار؟
ما تزال العوامل التي أدت إلى أداء أمريكا القوي خلال العامين الماضيين متواجدة بدرجات متفاوتة، وأصبحت الاحتياطيات المتاحة للشركات والأسر أقل مما كانت عليه قبل عامين، قبل رفع الفيدرالي لأسعار الفائدة، لكن القروض الرخيصة التي حصل عليها المستهلكون والشركات قبل ارتفاع التضخم ستظل تحميهم من أسعار الفائدة المرتفعة لبعض الوقت.
وتشير حسابات اقتصاديي بنك “جولدمان ساكس” إلى أن متوسط سعر الفائدة على ديون الشركات سيرتفع من 4.2% في 2023 إلى 4.5% فقط في 2025.
لا يزال من السابق لأوانه الإقرار بأن أمريكا حققت “هبوطا سلسا”، فصحيح أن النمو كان مرناً والتضخم تراجع، لكن المرحلة الأخيرة من الضغط على التضخم قد تكون شاقة نظرًا لاستمرارية ارتفاع الأسعار بمعدل سنوي قدره 3%، أي أعلى من هدف الفيدرالي البالغ 2%.
وفي الوقت نفسه، يجب على الفيدرالي التحرك قريباً لإعادة أسعار الفائدة إلى مستوى أكثر طبيعية، ولحين تحقيق كلا الأمرين، قد تسير الأمور بشكل غير طبيعي.








